عودة حكم المخابرات

28 ابريل 2015
+ الخط -

كانت لحظاتٍ، بل أياماً وأشهراً، حين أحست الشعوب العربية، بعد انطلاق الثورات، بأن عهد قبضة الأمن والمخابرات على الرقاب قد ولّى، بل إن هذه الأجهزة نفسها تحررت من قبضة الأنظمة الاستبدادية. وإذ بنا نجد أنفسنا في قفص القمع والرعب نفسه، بل إنها ازدادت عنجهية واستهتاراً بحقوق الناس وحياتهم.

تتصرف أجهزة المخابرات العربية، والأنظمة من ورائها، بنشوة المنتصر الجبان، على شاكلة قوى الثورة المضادة، في بلاد الثورات والنظم التي لم تصل إليها الانتفاضات سواء، مستمدة قوة من دعم دولي تحت شعار "مواجهة الإرهاب". إذ عشنا حلماً، وأفقنا على كوابيس، لأن الأجهزة الأمنية ومن وراءها عادت إلى الواجهة بشكل انتقامي، في سعي منها إلى إعادة تشييد حواجز الخوف وبناء جدران الصمت، وعدنا إلى أساليب التهديد المبطنة والصريحة، فالمطلوب قتل الأمل ونشر اليأس والإحباط.

تتعدى المسألة كتم الأفوه، وإن كان الحجز على حرية التعبير أداة رئيسية لفرض الخنوع، لكن، أيضاً، منع المطالبة بالحقوق، كل أشكال الحقوق؛ فلا حق لعامل، أو كادح أو فقير، ولا كلام عن عجالة اجتماعية أو سياسية أو قضائية، لأنه لا اعتراف بمواطن أو بمواطنة.

بطش الأجهزة الأمنية ضروري لمسح شعارات الثورات، ليس فقط من فضاء ساحات الثورات وميادينها، بل من الذاكرة، حتى لا يبقى إلا الخوف والذعر والموالاة، بل وتقديم الشكر للطغاة، لأننا ما زلنا على قيد الحياة.

نستطيع التحدث عن غياب استراتيجية التغيير لدى قيادات الثورات التي أدت إلى تسهيل عودة الأنظمة القديمة، لكن بأشكال وأسماء جديدة. لكن، هناك عامل آخر لم يكن في الحسبان حين بدء الثورات، هو ظهور داعش ومثيلاتها التي صادرت، أو حاولت ونجحت إلى حد مهم، أصوات الثوار.

لا أريد الدخول في نظريات المؤامرة، لكنها مؤامرة قوى الثورة المضادة التي تستغل كل ظاهرة لإعادة فرض سطوتها. صحيح أن لظاهرة داعش والتطرف باسم الدين جذوراً اجتماعية وسياسية، لكن وجودها هو الأداة الأهم لتشريع الثورات المضادة، أي لا يمكن التصديق أنه لا يوجد من دعم لهذه المجموعات، بغية وأد الثورات.

المهم، هنا، أن "الحرب على الإرهاب" أضحت مبرر كل شيء، من الحد من حرية التعبير، إلى تمرير قوانين مكافحة الإرهاب، وهذه، في جوهرها، ضوء أخضر للاعتقال والتنكيل وفبركة التهم، فأي شيء يقوم به المواطن العربي، أو يتفوه به، مشروع تهم جاهزة، من التحريض إلى تهديد أمن النظام والإرهاب، وفقاً لمزاج الجهة التي أومأت بالإيقاف أو الاعتقال.

في تونس، أصبح التضييق على الصحافيين ممارسة عادية، وقد تجد لها مبرراً قانونياً، وهذه فقط البداية لتداعيات الثورة المضادة، أما في مصر فشراسة الثورة المضادة فاقت كل تصور، وأهم ضحاياها هو الجهاز القضائي، فلم تسن قوانين القمع ولم تمتلئ الزنازين فحسب، بل يتم في تواطؤ مفضوح للقضاء، لهضم هذه الحقوق وإلغائها عملياً من القاموس ومن مفاهيم وضمائر القضاة والقضاء.

في الأردن التي شهدت حراكاً تم قمعه، كلمة على "فيسبوك" إذا أرادت السلطات وحين تريد، كافية للاعتقال والتهديد بتهم كبيرة، وفقاً لقانون مكافحة إرهاب، لا يأبه بدليل أو بحق. الحالة نفسها تنطبق بدرجات على كل الأنظمة، برعاية أميركية، فأغلبية الأنظمة والنخب تعتقد أن شرعيتها تنبع من واشنطن، فمن يأبه بما يريده الشعب، أو ما لا يريده، فلا وجود له، ما دام صوته مخنوقاً.

كاتبة وصحفية
كاتبة وصحفية
لميس أندوني
كاتبة وصحفية من الأردن
لميس أندوني