في استقالة حنان عشراوي
عقودا طويلة، كان التركيز الفلسطيني والقوى العالمية المؤيدة للشعب الفلسطيني، على دعم منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ونضاله. ولكن انتقال القيادة الفلسطينية إلى الداخل وإقامة كيان فلسطيني بقيادة فلسطينية، أفرغ منظمة التحرير من أي دور. وعلى الرغم من الانقسام وتراجع إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، بقيت المنظمة إطارا يوفر للرئيس الفلسطيني ختم الشرعية، من دون أن يكون لهذا الإطار أي دور.
سياسياً، أصبح دور منظمة التحرير خاليا من أي مضمون، خصوصا في موضوع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والذي كان من أهم نقاط الخلاف في المفاوضات مع إسرائيل، وكانت المنظمة تتابعه بقوة، ثم لم يعد له أي موقع متقدم في الأجندة الفلسطينية، على الرغم من استمرار تقديم ضريبة لفظية له. وأقوال الرئيس محمود عباس عن عدم رغبته في العودة إلى مسقط رأسه صفد، وتأكيده لزوّاره الإسرائيليين أن الشعب الفلسطيني لا ينوي إغراق إسرائيل باللاجئين، خير دليل على تراجع أهمية موضوع اللاجئين في سلّم اهتمامات القيادة الفلسطينية وأدبياتها وفريقها السياسي. وعمليا، تراجع أيضا دور المنظمة في تمثيل كل الفلسطينيين في العالم، فقد أصبحت مرجعيات السفارات والممثليات الفلسطينية، وزارة الخارجية، وقد أضيف إلى مسمّاها "والمغتربين"، حيث تم انتزاع ملف الجاليات الفلسطينية من اللجنة التنفيذية للمنظمة، وتم نقلها إلى الخارجية الفلسطينية في رام الله.
عند عقد المفاوضات مع إسرائيل، وتوقيع اتفاق إعلان المبادئ في العام 1993، حرصت القيادة الفلسطينية على أن يكون التوقيع بين منظمة التحرير ودولة إسرائيل، وفي كل الأوراق الرسمية، على وضع اسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وفيما بعد 2014 وضع دولة فلسطين تحت اسم منظمة التحرير الفلسطينية، في دلالة على قيادة المنظمة. ولكن الحقيقة أن الأمور انقلبت، فأصبح منصب رئيس دولة فلسطين (غير المعترف بها من دولة الاحتلال أو مجلس الأمن) أهم بكثير من منصب رئيس اللجنة التنفيذية. وعلى الرغم من ذلك، بقيت المنظمة أداة بيد رئيس دولة فلسطين، يدعوها إلى الحصول على مباركة أي قرار يريده، من دون أي اهتمام يذكر لدور رئيس المجلس الوطني (الغائب عن أي أمر) سليم الزعنون (87 سنة) أو أعضائها المستقلين.
القيادة الفلسطينية، كما قالت عشراوي، بحاجة إلى إدخال عناصر جديدة شابة ومتنوعة ممثلة لثلاثة عشر مليون فلسطيني في الداخل والخارج
على الرغم من ذلك كله، بقي هناك حلم رومانسي في إعادة هيكلة المنظمة وإحيائها، وإجراء التعديلات الضرورية للإصلاح من الداخل، وكان هذا أحد بنود المصالحة الفلسطينية، غير أنه لم تكن هناك رغبة أو نية في إجراء أي إصلاح حقيقي، فالرئيس مرتاح لوجود منظمة ضعيفة ومعتمدة عليه وعلى أموال وزارة المالية الفلسطينية.
أعادت استقالة حنان عشراوي من عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، الاهتمام بالوضع المترهل للمنظمة وغيابها عن أي دور مؤثر، فقد أعلن الرئيس وفريقه عن وقف التنسيق مع إسرائيل، ورفض استلام أموال المقاصة منها في يونيو/حزيران الماضي، من دون بحث الموضوع في اللجنة التنفيذية. ثم، وبصورة مفاجئة، تم التراجع عن هذا القرار أيضا من دون العودة إلى المنظمة، ما يدل على عدم اكتراث الرئاسة بالمؤسسة المفترض أن تأخذ القرارات الاستراتيجية، أو على الأقل أن يتم التنسيق مع اللجنة المنتخبة من المجلس الوطني الفلسطيني لمتابعة القرارات اليومية.
يقول عضو المجلس الوطني الفلسطيني، حماده فراعنة، إن سبب استقالة عشراوي هو رفض قيادات الانتفاضة الأولى، وقد كانت مع فيصل الحسيني وسري نسيبة وآخرين من تلك القيادات. كما تعتبر الاستقالة، حسب فراعنة، ضربة للمستقلين الفلسطينيين، وهم الأغلبية في الشعب الفلسطيني، وصفعة للمرأة الفلسطينية، حيث كانت عشراوي الممثل الوحيد في التنفيذية لنصف المجتمع، إضافة إلى أنها أيضا كانت تمثّل الفلسطينيين المسيحيين، وهم عنصر أساسي في النضال الوطني.
لقد شكلت استقالة حنان عشراوي صفعة للقيادة الفلسطينية، ولكنها دليل واضح على عدم أهمية منظمة التحرير، وحصر القرار الوطني الفلسطيني في رجل واحد، من دون مشاركة حقيقية مع مكونات الشعب الفلسطيني. والقيادة الفلسطينية، كما قالت عشراوي، في كتاب استقالتها، بحاجة إلى إدخال عناصر جديدة شابة ومتنوعة ممثلة لثلاثة عشر مليون فلسطيني في الداخل والخارج... الإصلاح يحتاج إلى إعادة النظر في مؤسسات الشعب الفلسطيني، ومنها منظمة التحرير التي لم تعد قادرة على القيام بالدور الذي وضعته لنفسها في تحرير فلسطين. وكلما استعجل إصلاح المنظمة، استعجلنا في الوصول إلى هدف التحرير وإقامة وطن مستقل وحر وذي سيادة.