09 نوفمبر 2024
في معرض الدوحة للكتاب
رِضى الناشرين، ولو النسبي، عن مبيعاتِهم من إصداراتهم من الكتب، واحدٌ من مظاهر نجاح معرض الدوحة للكتاب، في أيامه العشرة التي اختتمت السبت الماضي. يُخبرك بهذا الرضى أصدقاء ناشرون، تعلم منهم أن كتب الفكر ومذكّرات السياسيين تقدّمت على غيرها من مبيعاتهم، وأنه ليس صحيحا أن الروايات هي الأولى من هذه المبيعات، مع التأشير إلى أن إقبال زوّار المعرض على الروايات المترجمة أكثرُ كثيرا منه على أعمال الروائيين العرب، فيما الشعر، سيما الحديث (والحديث جداً) منه، حالُه محزِنٌ جداً. هذا ما يكاد يُجمع عليه من تسألهم عن انطباعاتهم في أثناء معرض الدوحة للكتاب في دورته الثلاثين، والذي يعدّ الأول في منطقة الخليج (دورته الأولى في 1972)، من دون التأشير إلى الكتب العلمية المتخصّصة التي يبتاعها طلبةٌ ومهتمون ومشتغلون في ميادينها. وإذا لاحظتَ، كما غيرُك، في تجوالك بين أجنحة المعرض، وفي مساحته كلها، أن ازدحام الزوّار ظاهر، أو أقلّه كثرتُهم، فإن القائمين على المعرض نفسه يُعلنون إن 319 ألفا زاروه في كل أيامه، وإنهم يوميا كانوا 31 ألفاً و994، كان بيّناً فيهم تنوّع أجيالهم، وإنْ كانت غالبيتهم من الشباب (من الجنسين). وهذه أعدادٌ طيبةٌ على كل حال، غير أن اللافت، في الأثناء، أن معرض الكتاب فضاءٌ اجتماعي، وهذه يلزم أن تكون صفة كل معرضٍ للكتاب، عندما لا ينظُر إليه منظّموه مجرّد دكاكين للكتب. ويظهر واضحا السمتُ الاجتماعيُّ في المكان وفي هذا الفضاء، حيث أعدادٌ كثيرةٌ من الأسر، ليصحّ القول إنه معرضٌ ليس للنخبة فقط، وإنما للأسرة أيضا. وتعزيزا لهذا البعد، الاجتماعي والأسرى، فإنه توازى مع ما هو تربوي، فقد زارت المعرض 645 مدرسة في قطر، بكثيرين من طلابها وتلاميذها.
ممّا سوّغ لناشرين كثيرين رضاهم عمّا باعوه في معرض الدوحة للكتاب أخيرا أن عدد المشاركات ليس كبيرا جدا، وأن الاستعراضية في كثرة دور النشر والبلدان المشاركة غائبةٌ من هذا المعرض، فهي 335 دار نشر من 31 دولة عربية وأجنبية، من المؤسف أن مصر ليس من بينها، بسبب التحاق دور النشر المصرية بقرار السلطة الحاكمة في بلدها، مشاركة السعودية والإمارات والبحرين، في مقاطعة دولة قطر منذ ثلاثين شهرا. وقد شجّعت تسهيلاتٌ وأسعارٌ معقولةٌ لأجور الأجنحة دورا كثيرة على القدوم إلى الدوحة (كما كل عام). ومهمٌّ أن يُعرف، إلى هذا الحال، أنها سبعةُ كتبٍ فقط تم منعُها من المعرض، وعلى ما أوضح وزير الثقافة والرياضة القطري، صلاح بن غانم العلي، إنها خالفت معايير معتمدَة ومعلومة. ولواحدِنا أن يخمّن ما تجاوزته هذه الكتب من خطوطٍ حمراء، غير أن "المعايير التي يجب الالتزام بها" وخالفتْها دور نشر عديدة تقدّمت بطلباتٍ للاشتراك في المعرض، فلم يُستجب لها، على الأرجح مختلفة عن تلك التي تم الاستناد إليها في منع الكتب السبعة من العرض.
ورشاتٌ وندواتٌ وحفلاتُ توقيعٍ لكتبٍ وأمسياتٌ موسيقيةٌ وجلسات نقاشٍ كانت أيضا من تفاصيل هذا الفضاء الاجتماعي الثقافي الذي صنعه معرض الدوحة للكتاب الذي يسّر، بحق، مساحاتٍ للتسرية عن النفس وللفُرجة، فضلا عن المناسبة التي يمثّلها المعرض بداهةً للتعرّف على أحدث إصدارات الكتب لدور نشر متنوعّة من مشرق العالم العربي إلى مغربه، من فلسطين وسورية والمغرب وليبيا والكويت والجزائر والسودان، ولربما كانت في محلّها أن كثرة عدد دور النشر القادمة من الأردن كانت الثانية عددا بعد اللبنانية. أما من قطر نفسها فإنها تسع دور نشر، بعضُها حديث جداً.
وإجمالاً، حافظ معرض الدوحة للكتاب، في دورته الثلاثين، على مزاوجته بين بهجة الأطفال والأسر والبعد الثقافي العام البديهي فيه، وفي إقامة صلة صداقةٍ بين أجوائه وأهل قطر والمقيمين فيها. وأظنّه أصاب نجاحا مقدّرا في هذا كله، مع التسليم بوجود مؤاخذاتٍ عابرةٍ في تفاصيلَ هنا وهناك، وما كان له أن يُصيب هذا النجاح لولا تحرّره من الاستسلام لغواية الاستعراضية المُفرطة، والبهرجة المبالغ فيها...
ورشاتٌ وندواتٌ وحفلاتُ توقيعٍ لكتبٍ وأمسياتٌ موسيقيةٌ وجلسات نقاشٍ كانت أيضا من تفاصيل هذا الفضاء الاجتماعي الثقافي الذي صنعه معرض الدوحة للكتاب الذي يسّر، بحق، مساحاتٍ للتسرية عن النفس وللفُرجة، فضلا عن المناسبة التي يمثّلها المعرض بداهةً للتعرّف على أحدث إصدارات الكتب لدور نشر متنوعّة من مشرق العالم العربي إلى مغربه، من فلسطين وسورية والمغرب وليبيا والكويت والجزائر والسودان، ولربما كانت في محلّها أن كثرة عدد دور النشر القادمة من الأردن كانت الثانية عددا بعد اللبنانية. أما من قطر نفسها فإنها تسع دور نشر، بعضُها حديث جداً.
وإجمالاً، حافظ معرض الدوحة للكتاب، في دورته الثلاثين، على مزاوجته بين بهجة الأطفال والأسر والبعد الثقافي العام البديهي فيه، وفي إقامة صلة صداقةٍ بين أجوائه وأهل قطر والمقيمين فيها. وأظنّه أصاب نجاحا مقدّرا في هذا كله، مع التسليم بوجود مؤاخذاتٍ عابرةٍ في تفاصيلَ هنا وهناك، وما كان له أن يُصيب هذا النجاح لولا تحرّره من الاستسلام لغواية الاستعراضية المُفرطة، والبهرجة المبالغ فيها...