في مقتل نضال إغبارية
لن يعدّ نضال إغبارية من 104 صحافيين فلسطينيين قتلتهم إسرائيل منذ احتلالها الضفة الغربية في عام 1967، فقد قضى في بلدته المحتلة في 1948، أم الفحم، الأسبوع الماضي، في جريمة قتلٍ غادرة، ارتكبتها، على ما تردّد، عصابة مجهولة، صوّبت أعيرتها النارية عليه في سيارته، فقضى في عامه الـ44. واندرجت الحادثة ضمن شيوع الجريمة في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني. وقد جاء في إحصائيةٍ ذائعةٍ في الإعلام أنّ 75 ضحية سقطت من العرب منذ مطلع العام الحالي (2022)، بينهم تسع نساء. وفي الأثناء، تُتّهم الشرطة الإسرائيلية بالتقاعس عن القبض على الجُناة ومعاقبتهم، وبأنّها لا تعمل على وضع حدّ للجريمة. وهذه تظاهرةٌ احتجاجيةٌ غاضبةٌ على هذا الحال، وتنديداً به، شارك فيها عشراتٌ من أهالي أم الفحم أمام مركز الشرطة في المدينة. ورفع المتظاهرون صور إغبارية. وعُلم أنّ "الحراك الفحماوي الموحد" هو من دعا إلى التظاهرة، وهو الذي تأسّس من أجل العمل على وقف الجريمة المتفشية.
ولمّا كان زميلٌ صحافي نشط، ومعروفٌ بمتابعته شؤون مجتمعه المحلي، أحد الذين قضوا في غضون هذا الحال، وقد شاع أنّ ملابسات قتله متصلةٌ بمبلغٍ ماليٍّ استدانه أحد أقاربه، فإنّ هذا يؤشّر إلى أنّ الجريمة في الوسط العربي هناك لا تستثني شريحة أو أخرى، وإنّ شاباً معروفاً بتديّنه وانتسابه النضالي إلى شعبه، يعمل في الإعلام، وتابع، بمقتضى شغله، جرائم غير قليلة وقعت، وأُزهقت فيها أرواح ناسٍ يعرفهم أو يعرف عنهم. والمشهد، في عمومه، يستأهل أن تتّسع إضاءاتٌ عليه، تحيط بتفاصيله، وتعرّف بمختلف الحيثيات والمعطيات التي تتصل به، وبصراحةٍ وشجاعةٍ واجبتين.
يكتب عوفير دايان في صحيفة إسرائيل اليوم إنه "لا يمكن مساعدة من ليس مستعدّا لأن يساعد نفسه". في إشارةٍ ظاهرةٍ منه إلى أن "الجمهور العربي" (بحسب الترجمة إلى العربية) يلعب دورا في إحباط مساعي الشرطة الإسرائيلية من أجل الحدّ من الجريمة، ولا يمكن إغماض العيون أمام هذا الحال، بحسبه. وهذا كلامٌ مغايرٌ للذي يردّده عرب الداخل الفلسطيني، ويدلّ على أن القضية صارت موضوع تجاذبٍ ومجادلةٍ بين الفلسطينيين في أرضهم وسلطة الدولة العبرية القائمة. ومن شواهد غير قليلة على ذلك مظاهرة أم الفحم المشار إليها أعلاه، وتحتج، كما تعبيراتٌ عربيةٌ ساخطةٌ أخرى، على "تساهل" الشرطة الإسرائيلية في عملها، في حماية العرب من مجرمي القتل والسلب العرب. وبديهيٌّ أنّ تراخي سلطة إنفاذ القانون يشجّع الخروج عليه، وذلك في أي بلد. ولمّا قالت النائبة الفلسطينية في الكنيست، عايدة توما سليمان، إن الشرطة الإسرائيلية لا تحلّ لغز القتل في معظم الحالات، فذلك مما قد يعني أن هناك عدم اكتراثٍ بحله. ومقال عوفير دايان يساجل النائبة فيسأل: كيف تتوقع أن تحلّ الشرطة لغز الجرائم، حين لا يكون هناك تعاون من الجماعة الأهلية؟
لأنّ أهل مكّة أدرى بشعابها، ولأنّنا لسنا مضطرّين إلى التعامل مع الكلام الإسرائيلي في هذا الأمر (وفي غيره بداهةً) بأنّه وحده الحقيقة، وما دونه غير صحيح، فإنّ الشواهد هي التي تُسعف بشيءٍ من جلاء الحال. وهذه واقعة قتل نضال إغبارية تنتظر من الشرطة الإسرائيلية حلّ لغزها، والقبض على الجناة، ومعاقبتهم بما يستحقّون، أيّاً كانوا. وتنتظر ألّا يكون مصيرها كسابقاتٍ لها مثيلة، لم يتبيّن خيط فيها، وبقيت في موضعها لغزاً. وعندما يذهب مقال عوفير دايان إلى أنّ هناك حاجة إلى "قولٍ واضحٍ وثابت" من زعماء "الجمهور العربي"، يندّد بالمسّ بسلطات القانون، يدعو إلى التعاون ويلفظ من أوساطه الجريمة، عندما يذكر أن 150 سيارة دورية شرطة أحرقت في "أعمال شغب" في اللد (هل هذا صحيح؟)، فكأنه يقول إن التقاعس الذي تُرمى به شرطة الدولة العبرية لا وجود له أمام تقاعسٍ ظاهرٍ عند العرب أنفسهم، والذين يصوّرهم الكاتب كأنهم يستطيبون الجريمة بين ظهرانيهم.
ليست أخباراً طيبة أن يروج ما صار في منزلة الحقيقة المؤكّدة عن ذيوع الجريمة بين أهل البلاد الأصلانيين هناك في فلسطين الداخل. وليس حسناً أبداً أن يُخاض في الأمر وكأنّه نزاع إعلامي بين طرفين. وليس مطمئناً أبداً أن تقيّد جريمة قتل صحافي فلسطيني معروف ضد مجهول.