قبل سورنة العراق .. المفتاح في بغداد
سابقاً، كانت المخاوف تدور بشأن عرقنة سورية، خصوصاً بعد أن بدأت ملامح الثورة المسلحة، بعد نحو عام من الثورة السلمية، ثم انقضت أكثر من ثلاثة أعوام على الثورة السورية، بشقيها السلمي والمسلح، وبدأ ملف هذه الثورة يركن على أعلى خانة في رفوف الاهتمامات الدولية، وتراجع اهتمام العالم بها، لتبقى بين مد وجزر، بين ثوار مسلحين ينشدون تحرير وطنهم، ونظام أهوج أرعن إجرامي، لا يرقب بشعبه إلاّ ولا ذمة.
اليوم، تحولت البوصلة، وباتت المخاوف تأتي بنحو معاكس، فمن عرقنة سورية، صار اليوم الحديث عن سورنة العراق، ودخول ثورته، التي بدأت باعتصامات سلمية، ثم تحولت ثورة مسلحة، في نفق المراوحة في مكانها، تماماً كما يحصل في ثورة سورية، فمنذ العاشر من يونيو/حزيران الماضي، يوم أن تمكنت الفصائل المسلحة العراقية من طرد قوات الحكومة العراقية من مدينة الموصل، وبعدها من مناطق واسعة في شمال العاصمة بغداد وغربها، والسيطرة على نحو 50 % من مساحة العراق، غير أنهم وقفوا، أو أجبروا على التوقف، عن دخول بغداد، لأسباب، لا أعتقد أنها معروفة، على الرغم من كل الحبر الذي سال لتبرير، أو معرفة أسباب عدم دخول الثوار إلى العاصمة، خصوصاً وأن الأمر، في الأيام الأولى، التي أعقبت سقوط الموصل بيد الثوار، كان يبدو ممكناً جداً.
ليست المشكلة، اليوم، في مراوحة الثورة العراقية المسلحة، وتوقفها عن اقتحام العاصمة بغداد، وإسقاط حكومتها وعمليتها السياسية وحسب، وإنما، أيضاً، أن هذه الثورة بدأت ترتد على نفسها، وصارت المشكلات الداخلية تتوالى بالظهور، في المناطق التي سيطر عليها الثوار.
تنظيم الدولة الإسلامية، أحد أهم الفصائل المسلحة، إن لم يكن أهمها، ممن شاركوا في طرد القوات الحكومية من المدن العراقية، بدأ بتطبيق ما يسميه شرع الله، فقام بتهجير المسيحيين من الموصل، في خطوة شنيعة أثارت استنكاراً عالمياً واسعاً، وأثارت، أيضاً، استنكار الفصائل المسلحة الشريكة للدولة الإسلامية في عملية تحرير المدن، وباتت هذه الفصائل كالقابض على الجمر، فلا هي قادرة على الالتفات إلى تنظيم الدولة، ومحاربته ومحاربة أفعاله، ولا هي قادرة على أن تمضي في محاربة القوات الحكومية، التي تسعى إلى استعادة الأراضي التي خسرتها، مما شكل ضربة قوية للثورة المسلحة، وأعاقها عن إحراز أي تقدم يذكر.
ثم جاءت الخطوة التالية لتنظيم الدولة الإسلامية، والمتمثلة بتفجير المراقد في الموصل، في مشهد أثار استغراب الجميع، خصوصاً وأنها لا ترى أن مثل هذا التوقيت، في مثل هذه الأفعال، مناسب، فهو بالمطلق لا يخدم سوى نوري المالكي وحكومته.
وبينما شمّرت فصائل عن سواعدها، لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، رأت فصائل أخرى عدم الالتفات إلى مثل هذه الأفعال، مطالبةً الجميع بأن يجعل بوصلته بغداد، وليس ما يدور في الساحة الخلفية.
استمرار الدولة الإسلامية بأفعالها يبدو أنه سيدوم، فهي كما ترى، تطبق شرع الله، ولا يبدو أن هناك من أحد سيكون قادراً على ردعها، على الأقل في الوقت الحالي، مما قد يوفر غطاءً أوسع لثورة شعبية في المناطق، التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية، تؤدي، بالضرورة، إلى اقتتال داخلي، قبل أن تحقق الثورة المسلحة أياً من أهدافها.
الحل، وقبل أن يدخل العراق نفق السورنة، يتمثل أولاً ببغداد، فأي اقتحام ونجاح في الوصول إلى معاقل الحكومة في المنطقة الخضراء، سيكون بمثابة الدواء الأكثر نجاعةً، والذي يمكن
أن يجنب الثورة العراقية مصير شقيقتها السورية.
تدور كل يوم، تقريباً، معارك على حدود العاصمة بغداد، من جهات مختلفة، تنجح تارةً في إحداث اختراق بدفاعات المالكي، وتارة أخرى تفشل، غير أنها ما زالت قاصرةً عن تحقيق الهدف، خصوصاً وأن الدفاع عن العاصمة بغداد قد أوكل إلى الحرس الثوري الإيراني حصراً، بالإضافة إلى ميلشيات العصائب، التي تعتبر الذراع المسلحة غير الرسمية لحكومة المالكي، والذي يشرف عليه ويديره قيس الخزعلي، المعروف بأنه جزء من منظومة فيلق القدس الإيراني، ومعهم، أيضاً، ميلشيات حزب الله اللبناني، التي أثبتت الصور التي بثتها الفصائل المسلحة لوثائق قتلى ضمن القوات الحكومية، أنها تعود إلى عناصر من حزب الله اللبناني.
بغداد يجب أن تكون هدفاً عاجلاً وسريعاً للثورة العراقية المسلحة، وأن لا تلتفت، الآن، على الأقل إلى ممارسات الدولة الإسلامية، وما تشكله من خطر على الثورة بمجملها.
ويجب أن يكون هناك تنسيق أعلى بين الفصائل العراقية المختلفة الرابضة على حدود العاصمة، بغداد، لتحديد ساعة الصفر التي تمكنها من دخول العاصمة، خصوصاً وأن كل الدلائل تشير إلى أن هناك حالة من الإرباك داخل القوات الحكومية، وهو ما ثبت في أكثر من عملية جس نبض، قامت بها الفصائل المسلحة من خلال تعرضات ومواجهات مسلحة، وقعت، في الفترة الماضية، خصوصاً في الجزء الجنوبي الغربي من بغداد، والمؤدي مباشرة إلى مطار بغداد.
الثورة العراقية المسلحة في خطر، فإما أن تتدارك الفصائل الأمر، وتتجه صوب بغداد، مع كل الخسائر الكبيرة المتوقعة، أو أن تدخل الثورة العراقية شرنقة السورنة، وتبقى تراوح مكانها مع إمكانية تمكن المالكي، أو أي رئيس حكومة مقبل، من استعادة الأرض، مستفيداً من التصرفات الهوجاء لتنظيم الدولة الإسلامية.