قرارات العجز العربية والإسلامية
عندما سُرّب البيان الرسمي الخاص بالقمة العربية الإسلامية التي عقدت يوم السبت الماضي، وقبل ساعات من صدوره رسمياً، كان يمكن التوقف سريعاً عند عدة بنود، على اعتبار أنه إذا صدقت الإرادات وليس النيات فقط بتطبيقها، فهي جيدة ويمكن البناء عليها، لأنها تصب في صالح حماية المدنيين الفلسطينيين، ولو جزئياً، في ظل العدوان الوحشي الإسرائيلي. ولا يُقصد بالحماية هنا التدخل العسكري، لا سمح الله، فهذا الأمر الوحيد ربما تستطيع أن تُجمع عليه كل الدول المشاركة في القمّة، من أكثرها تطبيعا مع إسرائيل واستعداداً للدفاع عنها ومنع الذهاب في المقرّرات ضدها أبعد مما اتخذ، إلى أكثرها جعجعة ومزايدة طوال العقود الماضية وحتى ساعات من "عملية طوفان الأقصى" بشأن القضية الفلسطينية.
لا تتعدّى الحماية المقصودة تأمين دخول المساعدات ووصولها إلى المحتاجين، غذائية وطبية. ولذلك كان التوقف بشكل أساسي عند بند كسر الحصار الصادر عن البيان الختامي للقمّة. فهل هو دعوة، أي مطلب ستنظر هذه الدول في كيفية الحصول على تأييد أوسع له. مع العلم أنها تشكل 57 دولة، أي نحو 28% من أعضاء الأمم المتحدة، أم هو قرار يعني أنه سيتم العمل على تنفيذه؟
كانت الإجابات التي كان يمكن استشفافها من بعض الدبلوماسيين الذين واكبوا أعمال القمة تشير إلى أنه مطلبٌ لا أكثر، على عكس ما ظهر في الصيغة العربية للقمّة، والتي ورد فيها حرفياً: "كسر الحصار على غزّة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). أو حتى الإنكليزية التي احتوت على المضمون نفسه. وإن كان يمكن ملاحظة يومها أن بند الحصار حلّ ثالثاً في قائمة البنود باللغة العربية وسادساً في النسخة الإنكليزية.
تبدو الإجابات عن هذه التساؤلات واضحة مع مرور نحو أسبوع على صدور هذا القرار من دون أن يجد طريقه إلى التنفيذ، ما يجعله عملياً في خانة الطلب لا القرار، فما الذي تنتظره هذه الدول، وفي مقدّمتها، مصر التي تواصل تكرار لازمة أن معبر رفح مفتوح لكن إسرائيل من تعيق وصول المساعدات.
لا تشي الأرقام الآتية من غزّة بكارثة، بل هي الكارثة بنفسها. أكثر من 11 ألف شهيد و27 ألف جريح غالبيتهم أطفال ونساء. أكثر من 1.5 مليون نازح داخل القطاع نصفهم من الأطفال. لا مياه ولا كهرباء ولا مواد غذائية ولا دواء. ويصبّ ذلك كله في خانة الهدف الإسرائيلي الرئيس الذي باتت تجاهر به عبر مسؤولين عديدين، وهو تهجير الفلسطينيين، سواء أكان من الشمال إلى الجنوب، أو عبر تخفيف الكتلة السكانية في القطاع، وتسهيل الهجرة من الجنوب إلى خارجه.
تحدّثت الدول التي شاركت في القمة، في بيانها الختامي، عن "الرفض الكامل والمطلق والتصدّي لمحاولات النقل الجبري الفردي أو الجماعي أو التهجير القسري أو النفي أو الترحيل للشعب الفلسطيني، سواء داخل قطاع غزّة أو الضفة الغربية، بما في ذلك أيا كانت، باعتبار ذلك خط القدس، أو خارج أراضيه إلى وجهة أخرى خطّا أحمر وجريمة حرب". كما عدّت "تهجير حوالى مليون ونصف المليون فلسطيني من شمال قطاع غزّة إلى جنوبه بمثابة جريمة حرب". ودعت إلى التصدّي لهذه الخطوات الإسرائيلية.
إذا لم يكن التصدّي لمخططات التهجير يتضمن كسر 57 دولة عربية وإسلامية للحصار وإدخال المساعدات الضرورية للفلسطينيين لمساعدتهم على البقاء على قيد الحياة أولاً، ثم الصمود في أرضهم ثانياً، فكيف يكون التصدّي. ... مزيد من البيانات؟