قوات ردع عربية إلى غزّة
قرار إسرائيل ترقية مشروع إرسال قوة عسكرية عربية إلى غزّة ليتصدّر عناوين خطة إدارة القطاع ما بعد الحرب، أو "اليوم التالي"، يعني، من ضمن ما يعنيه، أن التفكير لا يزال في تل أبيب أسير الهوس بالانتقام، من دون أي أفقٍ سياسي. الفكرة التي يتولى التفاوض بشأنها وزير الحرب يوآف غالانت مع الأميركيين، سليلة خرافة أن الحلول العسكرية كفيلة بأن تضمن لإسرائيل أمناً دائماً. خرافة تحاكيها أوهامٌ من نوع أن الحل العادل للقضية الفلسطينية عسكري، بينما لا يمكن إلا أن يكون سياسياً، خصوصاً حين تكون موازين القوى على أنواعها مختلّة إلى الدرجة التي نشاهدها في حرب الإبادة على الفلسطينيين وأرضهم.
مشروع قوة الردع، والذي تقول مجلة بوليتيكو، الأميركية الإلكترونية، إن واشنطن تدرس تمويله بالفعل، من دون المشاركة في عديدها، ليس جديداً، إنما الجديد فيه بدء كبار المسؤولين الإسرائيليين الحديث عنها أو عدم ممانعتهم نسب تصريحات لهم بشأنها. الفكرة من نتائج إلحاح أميركي على إسرائيل لكي تستعجل بلورة رؤية متكاملة لـ"اليوم التالي" على ألا تشمل احتلالاً عسكرياً إسرائيلياً دائماً للقطاع، ولا عودة للمستوطنات إليه، مع إيلاء السلطة الفلسطينية "المحدّثة" دوراً وازناً هناك ومعها البلدان الرئيسية في أفق التطبيع العربي ــ الإسرائيلي، المنجز منه والآتي، أي مصر والسعودية والإمارات. لكن مشروع قوة الردع، أكانت عربية حصراً أم مطعّمة بعناصر غير عربية، لا يعبّر حتى الآن عن تصوّر إسرائيلي رسمي، إذ لا شيء اليوم اسمه موقف موحد في الدولة العبرية بخصوص شكل مستقبل غزة بلا "حماس". الجيش يريد شيئاً، وكلّ من أطراف الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف يغني موالاً، والمعارضون السابقون الوافدون إلى كابينت الحرب منذ بدء الحرب لا يتفقون في ما بينهم على شكل إدارة غزة. ما نعرفه عن المشروع ضبابي للغاية، في حين أن خطة "طموحة" كهذه يستحيل أن تكون سرية، ذلك أن ترجمتها ستحصل في وضح النهار وفي أفق زمني قصير نسبياً. تارّة يُنقل عن غالانت وصفه القوّة بأنها لحفظ السلام، وتارة أخرى قوة ردع. ساعة يسميها عربية، وحيناً آخر متعدّدة الجنسيات. تنقل عنه القناة الـ12 العبرية أن مهمتها ستكون حفظ أمن المنطقة بعد الحرب (الحلول مكان حماس كسلطة)، ثم تمدد صلاحياتها في موضع آخر لتشمل إدخال المساعدات الإنسانية فوراً وتنظيم توزيعها (بدل وكالة أونروا)، ومرّة ثالثة يُسرَّب أن أولويتها ستكون تأمين الرصيف البحري الذي تقيمه أميركا أمام سواحل غزة لتلقي المساعدات القادمة عبر الممرّ البحري من قبرص.
التسريبات الواردة من مصر عن خطة إرسال قوات عربية إلى غزّة ترفض المشروع بشكل جازم. والمفارقة أن أكثر من يستعجل نشر التصريحات مجهولة الهوية تلك وسائل إعلام لطالما جمعت في ملكيتها وسياسة تحريرها ما أمكن من مصالح الثلاثي العربي المعني بالمشروع، أي مصر والسعودية والإمارات. قناتا العربية ــ الحدث وسكاي نيوز مثلاً سارعتا إلى نقل كلام "مصادر مصرية مسؤولة" يفيد بأن الأمر مرفوضٌ بالنسبة إلى القاهرة. الصمت سيد الموقف في الرياض وأبوظبي، قبل تهديد الفصائل الفلسطينية، السبت الماضي، بأنها ستتعاطى مع أي قوة عسكرية عربية أو دولية يتم إرسالها إلى غزّة على أنها قوة احتلال، وبعده. تهديد يبقى في البال أنه صدر بعد ساعات من نقل موقع أكسيوس الأميركي، يوم الجمعة، عن مسؤول في "دولة عربية" شملها مقترح غالانت قوله إن الدول العربية المعنية "ليست مستعدّة لإرسال قوات لتأمين شاحنات المساعدات، لكنها قد تفكّر في إرسال جنود لحفظ السلام بعد انتهاء الحرب".
في رواية أخرى وفي زمن آخر، كان يمكن لحافظ الأسد أن يحسم كل هذا التردّد المحيط بمشروع إرسال قوة عسكرية كتلك التي يتم التفكير فيها إلى غزّة. أرسل ذات يوم قوات ردعه إلى لبنان لحماية المسيحيين من الفصائل الفلسطينية وحلفائها من اليسار اللبناني على ما تقول الخرافة، فلم يترُك جيشه بعد 29 عاماً إلا بلداً مقسّماً بين من يعتبر الاحتلال السوري أسوأ من ذلك الإسرائيلي أو العكس. لسوء حظ نتنياهو، لا مجال لطلب نصيحة من حافظ الأسد.