كأنهم كلهم أبناء برلوسكوني
يقف العالم على أعتاب مجموعة من المواعيد الانتخابية الحزبية أو الشعبية العامة التي لا يُتوقع أن تحمل سوى الأسف والأسى والمزيد من التهديد للديمقراطية وللقيم الليبرالية. وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، يُتوقع أن ينتخبها محافظو بريطانيا رئيسة للحكومة في الخامس من سبتمبر/ أيلول المقبل بدل زميلها وشريكها في الحكم بوريس جونسون، رمز "بريكست"، الحدث التأسيسي للشعبوية المعاصرة في الغرب. السيدة التي لم تُظهر في حملتها الانتخابية ومناظراتها سوى انعدام حساسية إزاء الواقع الاقتصادي ــ الاجتماعي الذي يعيشه البريطانيون نتيجة سياسات حزبها، والتي لم تقرر بعد إن كانت فرنسا عدوّة لبريطانيا، سيكون حكمها مهدداً منذ اللحظة التي تصدر فيها النتائج، من رئيسها السابق بوريس جونسون نفسه الذي تعهّد بالعودة بكلّ فخامة إلى قيادة حزبه أولاً، ورئاسة الحكومة تالياً، تماماً على طريقة عودة سيلفيو برلوسكوني في إيطاليا. هناك، تجري الانتخابات البرلمانية العامة في 25 سبتمبر. الجبهة المرشّحة للفوز هي التجمع الرسمي للفاشيين ولشبه الفاشيين وللطامحين إلى رتبة الفاشية في تحالف يقوده كلّ من حزب "أشقاء إيطاليا"، وهو من جذور فاشية، و"رابطة الشمال" و"إيطاليا إلى الأمام". من الحزب الأول جيورجيا ميلوني مرشحة لأن تصبح أول رئيسة سيدة لحكومة في إيطاليا. من الحزب الثاني في التحالف، ماتيو سالفيني موعود باستعادة وزارة الداخلية واستئناف هواية التنكيل بـ"الغرباء". وفي التحالف نفسه، سيلفيو برلوسكوني يدعو نفسه إلى العرس، وهو الموعود بتسلم رئاسة مجلس الشيوخ. يقول أنطونيو تاجاني، نائب رئيس الحزب، أي نائب برلوسكوني، إن على الجميع التصويت لـ"حزب معتدل، جدير بالثقة، ليبرالي، ومؤيد للوحدة الأوروبية". صدّق أو لا تصدق، حزب برلوسكوني أصبح يدّعي هذه القيم لتمييز نفسه عن "أشقاء إيطاليا" و"رابطة الشمال".
وظاهرة برلوسكوني ليست تفصيلاً عابراً في السياسة الأوروبية. الرجل افتتح عصر الشعبويين الجدد في مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين، بتوليه رئاسة الحكومة مراراً منذ 1994، مع برنامج يميني متطرف بما كان يُعتبر في حينها صدمة أخلاقية في الغرب الليبرالي الخارج منتصراً على المعسكر الاشتراكي. ومنذ 2013، حُكم عليه بالسجن في قضايا فساد وتهرب ضريبي، ومُنع من الترشح في الانتخابات لست سنوات. وبحجم الإهانة المستحقة التي تلقاها من القضاء ومن الناخبين والإعلام، يريد صاحب الـ85 عاماً أن تكون عودته ظافرة مع تذكيره الدائم لجميع فاشيي القرن الواحد والعشرين بفضله عليهم في كسر تابوهات احتقار المرأة ورشوة الصحافيين والتمييز بين البشر عنصرياً ودينياً وكره الآخر المختلف وتوظيف القضاء والقوانين لمصالح خاصة...
أما في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فالموعد الكبير سيكون في أميركا. التجديد النصفي للكونغرس سيكون بروفا لخوض دونالد ترامب انتخابات الرئاسة في 2024. الرجل الذي ارتكب كلّ أصناف الجرائم بحق الديمقراطية والذوق العام والعقل والقوانين ومكتسبات التنوير والليبرالية، يحلم بانتقام يجعل من ترامب الذي عرفناه، حملاً وديعاً أمام ما قد نراه منه بعد عامين. انتقام مماثل يحضّر له صديق ترامب وبرلسوكوني وجونسون، بنيامين نتنياهو في إسرائيل مطلع نوفمبر المقبل مع ترجيح تسيّده ساحة سياسية يندر فيها وجود غير العنصريين والمتطرفين.
الكثير يجمع بين طموحات برلوكسوني وترامب وجونسون ونتنياهو. أربعتهم طُردوا بأبشع الطرق قضائياً وشعبياً وانتخابياً، وأربعتهم ينوون العودة بذات قوة طردهم عبر تصوير إطاحتهم كمؤامرة دبرتها قوى الشر، العبارة المقدسة التي يصدح بها جميع شعبويي اليمين في العالم.
أمام مد شعبوي يميني بهذه الدرجة من الشراسة والاندفاع، لا بأس بأن يفوز لولا دا سيلفا البرازيلي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. أحياناً شعبوية اليسار لها دواء، أما شعبوية اليمين، فيندر أن تصبّ في غير المحيط الفاشي الكبير.