كلّ هذا البؤس العربي
هل صدّق وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، نفسَه، وهو يتوعد منظمي "لقاء المعارضة في الجزيرة العربية (اقرأ "مؤتمراً لمعارضين سعوديين") في الضاحية الجنوبية لبيروت، بـ"إجراءاتٍ قانونيةٍ" لمنع انتقاد المشاركين فيه الحكم في العربية السعودية، وقد عقد هؤلاء لقاءهم، ثم قالوا فيه ما قالوه أشنع من انتقاد؟. هل استشعر الحاكمون في أبوظبي حرَجاً في حشاياهم، وهم يسمعون أغنية الممثلة الإسرائيلية، نعومي شيستر، بالعربية، في سخريتها من عربٍ معهم ملايين "ونسيو شعب انتكب ونسيو فلسطين"، وتنهيها بلازمة "دبي دبي دبي"؟ هل هو حقاً عُطل فني في طائرة شركة بدر (هل هي سودانية؟) متّجهة من الخرطوم إلى إسطنبول اضطرّها للهبوط في مطار الأقصر، فأمكن للسلطات المصرية "التقاط" الراكب المصري، حسام منوفي، واعتقاله، بعد أن كانت السلطات السودانية قد استجوبته في الخرطوم قبل إقلاع الطائرة؟ كم فلسطينياً على وجه البسيطة اكترث بخبر تلقّي حركة حماس دعوة روسية لحوار المصالحة الفلسطينية، أعلنه موسى أبو مرزوق، وهل من أحدٍ التفت إلى خبر وصول وفد من حركة فتح (برئاسة عزام الأحمد) إلى الجزائر بدعوةٍ من الرئاسة الجزائرية لعقد مشاوراتٍ بشأن عقد مؤتمر للفصائل الفلسطينية و"إتمام" (!) المصالحة الفلسطينية؟ ما أخبار "الاستشارة الإلكترونية الشعبية" في تونس، وقد انفتح بابها، في إطار إجراءات قيس سعيّد هناك، أول من أمس الخميس؟ هل يتقمّص القائمون على وكالة الأنباء السورية (سانا) نباهةً فيهم، عندما تبثّ خبر إغلاق وزارة الإعلام السودانية مكتب قناة "الجزيرة مباشر"، وتذيّله بأنّ قناة الجزيرة ساهمت منذ العام 2011 بتنفيذ "سياسات الغرب التآمرية على دول المنطقة"...؟
تجتمع الأخبار أعلاه، كما كثير مثلها، في مشهدٍ عربي أول عناوينه وتفاصيله انعدام السياسة فيه. لا تقع فيه على معنىً يأخذك إلى وضوحٍ في أيّ شأن. هل أحدٌ في وسعه أن يلحظ جدّية من أي مستوى في أي جهدٍ من أجل إنهاء النكبة اليمنية الراهنة؟ هل يستطيع عقلٌ لديه أقل أدوات التحليل السياسي أن يستشرف نافذةً إلى حل من أي نوع للمأساة السورية؟ هل من ركاكةٍ ورثاثةٍ أكثر شناعة من خراب السياسة وتعطّلها في تونس، بفعل عبقرية فريد زمانه قيس سعيّد، ومن ارتضوا أن يهادنوه، في غير محكّ ومحطة، بدافع استعلائيةٍ غير وطنية وناقصة العقلانية تجاه حركة النهضة؟ في أي زمن سيعرف حزب الله أنهّ ما هكذا تقوم الدولة القوية العادلة، وأنّ الحروب على السعودية في واحدٍ من وجوهها حربٌ على مصالح لبنان وأهله؟ البطالة والغلاء وإحباط الشباب وقلة المداخيل والكساد عناوين في الأردن، ليس في مستطاع تعديلاتٍ دستورية وتشريعية، مع الصخب بشأنها، المفتعل في بعض حوافّه، أن تُخفي وضوحها وكآبتها. السودان بعد أكثر من ستة عقود على استقلاله ما زالت نخبه، من غير جيل وجيل، عاجزةً عن صياغة إجاباتٍ عن أسئلة الدولة والكيان والهوية والنظام، والذي نشهد من تأزّمات ما تنفكّ تتجدّد يدلّ على استعصاء حادّ في هذا. أما قضية فلسطين فليس في وسعك، مهما أوتيت من ملكات القول، أن تحرز النعت الأدق لراهنها البائس، والذي لا يشجّع أبداً على الاكتراث به، فيكون موقفٌ طيبٌ من ممثلة "هاري بوتر"، إيما واتسون، أكثر مدعاة للاهتمام، بما يشيعه من غبطةٍ، من أيّ أخبار أخرى عن لقاءات فصائل وجولات مصالحاتٍ مُضجرة.
صحيحٌ أنّ أحوالنا العربية، في غير بلد، في عقود سابقة، لم تكن زاهيةً، وكان فيها ما فيها مما لا يسرّ الخاطر، غير أنّ البؤس الراهن لم يماثله بؤسٌ سابق، لم يكن في أشدّ الكوابيس ما ينبئ عن زياراتٍ لا تتوقف لغلاة مسؤولي مجالس المستوطنات الإسرائيلية إلى أبوظبي ودبي، ولا ما يخبر عن موت نحو ألف محتجز وسجين في زنازين مصرية في بضع سنوات، ولا ما يجعلك تسرّي عن نفسك، في أتون العبث العربي المقيم، بوعيدٍ من وزير الداخلية اللبنانية لحزب الله، وبما تراه "سانا" في قناة الجزيرة ..