20 أكتوبر 2024
كورونا في خدمة المشروع الصهيوني
لم يلق الاهتمامَ الكافي في الإعلاميْن، الغربي والعربي، قولُ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إنّ ضم الضفة الغربية لإسرائيل قرار إسرائيلي. لم يتحدّث عن أجزاء، بل عن الضفة الغربية كلها، بمعنى أن أي إجراء إسرائيلي تجاه الأراضي الفلسطينية هو داخلي إسرائيلي، وبذلك يلغي صفة الاحتلال عن السيطرة العسكرية. ولم يكن فتور ردة الفعل الفلسطينية نتيجة انتشار جائحة كورونا ومخاطرها وتأثيرها على العالم، وإنما جزء من القصة، فقد بدأ الفتور قبل جائحة كورونا، وهو أشبه باستسلام وأحياناً عدم مبالاة، وكأن الاحتلال الصهيوني أصبح طبيعياً وعلى الفلسطينيين أن يلاقوا مصيرهم راضين ممتنين لما هو فيه. وجاء فيروس كورونا ليزيد من تهميش معاناة الفلسطينيين، فالكل مشغول بخوفه على حياته، وخوفه من فقدان مصدر رزقه أو تدهور وضعه المعيشي.
المخاوف كلها مشروعة، ويعيشها الفلسطينيون أنفسهم. أضف إلى ذلك استمرار سجنهم المفتوح الذي يتحكّم به جيش الاحتلال ليلاً نهاراً. ولكن في عالم ما بعد كورونا الاحتلال باقٍ، وستفيق الشعوب العربية على هيمنة صهيونية على المنطقة، تتحكم بمواردهم، فالمشروع الصهيوني مستمر، فهو ليس مبنياً على التعاطف والتضامن الإنسانيين، بل على التدمير وسرقة الأراضي وتشريد السكان، هو مشروع تصفوي معلن، لا تهزّه كورونا ولا المعاناة الإنسانية. بل بالعكس، القادة الإسرائيليون يستغلون انشغال العالم بكورونا لتمرير مشاريعهم، كما اختار وزير الخارجية الأميركية، بومبيو، شرعنة الاحتلال بكل هدوء وبرود، تماماً كما يستخف رئيسه، دونالد ترامب، بنقص المعدات الطبية وأجهزة التنفس في مستشفيات ولاية نيويورك، ويجمّد دعم منظمة الصحة العالمية، ولا تهزّه جيوش البطالة وعذاب المهمشين في أميركا.
المشروع الصهيوني جزء من النظام العالمي الذي يدافع عنه ترامب بكل شراسة، ففي النهاية هي مصالح صناعات كبرى، أهمها صناعة الأسلحة والأمن والتكنولوجيا والأدوية التي تشكل، في
مجملها، جماعات الضغط الأهم تحت شعار الربح أولاً، فاللوبي الصهيوني في أميركا هو جزء، ولها مصالح متداخلة مع هذه اللوبيات، وليس منفصلاً عنها. ولا يعني هذا أن تأثير كورونا على الاقتصاد لا يصيب المشروع الصهيوني، ولكن هذا التأثير تحدّ يستدعي إيجاد مصادر موارد اقتصادية قد يكون أهمها تسويق أجهزة السيطرة الإلكترونية التي يستعملها العالم في ضبط انتشار كورونا، والتي قد تنبئ باتساع التجسس والسيطرة وملاحقة الإنسان، كل في بلده أو على المستوى العالمي، ونشوء دكتاتورية من نوع جديد، يتسلل إلينا من خلال سيطرة تامة على حركاتنا، وحتى على حياتنا الخاصة. وهذا مجال يبدع فيه مجتمع الاحتلال الصهيوني، فطبيعة الاحتلال نفسها تجعله يبدع في توظيف الاختراعات الإلكترونية في السيطرة، إذ لا سبيل لنجاح مشروع احتلال إحلالي من دون إحكام السيطرة، أي أننا قد نفيق على عدو أقوى وأخطر، فكما يحاول النظام الرأسمالي العالمي رفض الإصلاحات، حتى لو كانت إنقاذاً له نفسه، فالمرجّح أن يزداد المشروع الصهيوني شراسة، فلا يقبل حلاً وسطاً. ومما يزيد هذه الشراسة التذكّر العربي الخجول من ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية إليها، والخوف أن يصمت العرب تماماً، ليس لمجرد المهادنة، وإنما لأن اقتصاديات دول كاملة في العالم العربي قد تنهار، ولأول مرة هناك خطر على الاقتصاد السعودي، وتصبح الدول العربية بحاجة إلى التعاون مع إسرائيل. الجميع سيحاول الحفاظ على المشاريع الموجودة، وفي حالة الأردن مثلاً، هناك مشاريع مع إسرائيل، أولها استيراد الغاز المسروق من الفلسطينيين، ومشروع بوابة الأردن للمنطقة الحرّة الذي يضم شراكة مع الشركات والحكومة الإسرائيلية، قد تصبح من أهم فرص العمل للأردنيين. من هذا المنظور، تشكل كورونا فرصة للمشروع الصهيوني، ومصيبة جديدة متجدّدة للفلسطينيين والعالم العربي. والأخطر أن نرى ونسمع في العالم العربي من سيبرر استمرار المشاريع وتوسعتها، وليس في الأردن فقط، بأن كورونا وحّدت البشرية في مواجهة الموت، وهذا خلط خطير، فكورونا لم تغير من هيكلية السلطة في العالم، ولم تؤد مكافحة الوباء إلى تفكك هيكلية الاستغلال والقمع ونهب الثروات والاضطهاد، سواء على مستوى الدول أو العالم، ولن تغير طبيعة النظام العنصري الكولونيالي الصهيوني.
صحيحٌ أن الوباء خطر مشترك، وخطر على صحة كل إنسان وحياته، بغض النظر عن قوميته ولونه وجنسيته وعرقه ودينه، ولكن هذا لا يعني قبول الظلم والاحتلال والاستغلال، فقوة الاحتلال تتصرّف على أساس تحقيق أهدافها، لا يهمها من يموت أو يحيا، وضم الأراضي الفلسطينية وسرقتها وسرقة مواردها لا يمكن شرعنتها باسم أولوية مواجهة كورونا، وكذلك لا تجوز مشاريع لا تغير في موازين القوى، بل تثبت هيمنة إسرائيل على المنطقة.
في النهاية، نحن أمام تكالب التقاء مصالح، تجمع بين المشروع الصهيوني والتعبير الأكثر يمينية
للعولمة الرأسمالية، ونرى تحالفات ظاهرة وغير ظاهرة، فاليمين الصهيوني المتطرّف في أميركا يريد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاً وأن الخارجية الأميركية، كما تشهد تصريحات بومبيو، وللمرة ثانية منذ أقل من عام، تخرج عن الخط الدبلوماسي التقليدي الذي كان يعتبر المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، بتأثير الامتداد اليميني فيها. والتحدي الذي سيواجه العالم العربي، والقضية الفلسطينية، يقتصر على تحالف اليمين الصهيوني مع يمين أميركي مستشرس، يعتبر أي إجراءات شبيهة بالصفقة الجيدة التي أنقذت الرأسمالية من أزمتها في الثلاثينيات فكرة شيوعية متطرّفة. ولو بقي الأمر على تحالف بين أقصى اليمينين، الصهيوني والأميركي، ومع خطورته، ستكون هناك على الأقل فسحة للتعاون مع خيار بديل في الإدارة الأميركية، أي المرشح الديمقراطي جون بايدن، غير أنه في سياق الوضعين، الحالي والمقبل، لن يتحدّى بايدن، لو فاز، مضمون القرارات الأميركية في عهد ترامب، ما يعني أن على العالم العربي مواجهة أميركا خائفة على مركزها ونفوذها، أميركا أكثر عدوانية وشراسة، لا اعتبار لديها للمنطقة أو الفلسطينيين.
قد يكون الأكثر فجاجة في التعبير عن رفضه النفوذ الصيني المتصاعد، فلا يهم إذا كانت الصين تريد أن تحل مكان الولايات المتحدة، فالمؤسسة الأميركية العسكرية والاقتصادية لا تقبل تحدياً حقيقياً لهيمنتها ونفوذها، فحتى لو أرادت الصين مواجهة أميركا في عالم ما بعد كورونا، فإذا لم تنتبه الأطراف العربية الآن إلى أن قبولها بأي شراكة إسرائيلية، بدلاً من الانفتاح على الدول الأخرى، الصين خصوصاً، لن تستطيع الصين، ولا غيرها، الوقوف معها، خصوصاً وأن الاستثمار الصيني في إسرائيل يتمدد ويزيد.
إسرائيل تهيئ نفسها وتبسط نفوذها، ولا مجال لأي أوهام تحت ستار التعاون الإقليمي ضد فيروس كورونا، فالعالم سيجد لقاحاً ضد كورونا، ولكن لا يوجد لقاح ضد تمدّد المشروع الصهيوني سوى المقاومة، أي الاعتماد على خطط وطنية مستقلة من النفوذ الإسرائيلي لمواجهة مرحلة ما بعد كورونا.
المشروع الصهيوني جزء من النظام العالمي الذي يدافع عنه ترامب بكل شراسة، ففي النهاية هي مصالح صناعات كبرى، أهمها صناعة الأسلحة والأمن والتكنولوجيا والأدوية التي تشكل، في
صحيحٌ أن الوباء خطر مشترك، وخطر على صحة كل إنسان وحياته، بغض النظر عن قوميته ولونه وجنسيته وعرقه ودينه، ولكن هذا لا يعني قبول الظلم والاحتلال والاستغلال، فقوة الاحتلال تتصرّف على أساس تحقيق أهدافها، لا يهمها من يموت أو يحيا، وضم الأراضي الفلسطينية وسرقتها وسرقة مواردها لا يمكن شرعنتها باسم أولوية مواجهة كورونا، وكذلك لا تجوز مشاريع لا تغير في موازين القوى، بل تثبت هيمنة إسرائيل على المنطقة.
في النهاية، نحن أمام تكالب التقاء مصالح، تجمع بين المشروع الصهيوني والتعبير الأكثر يمينية
قد يكون الأكثر فجاجة في التعبير عن رفضه النفوذ الصيني المتصاعد، فلا يهم إذا كانت الصين تريد أن تحل مكان الولايات المتحدة، فالمؤسسة الأميركية العسكرية والاقتصادية لا تقبل تحدياً حقيقياً لهيمنتها ونفوذها، فحتى لو أرادت الصين مواجهة أميركا في عالم ما بعد كورونا، فإذا لم تنتبه الأطراف العربية الآن إلى أن قبولها بأي شراكة إسرائيلية، بدلاً من الانفتاح على الدول الأخرى، الصين خصوصاً، لن تستطيع الصين، ولا غيرها، الوقوف معها، خصوصاً وأن الاستثمار الصيني في إسرائيل يتمدد ويزيد.
إسرائيل تهيئ نفسها وتبسط نفوذها، ولا مجال لأي أوهام تحت ستار التعاون الإقليمي ضد فيروس كورونا، فالعالم سيجد لقاحاً ضد كورونا، ولكن لا يوجد لقاح ضد تمدّد المشروع الصهيوني سوى المقاومة، أي الاعتماد على خطط وطنية مستقلة من النفوذ الإسرائيلي لمواجهة مرحلة ما بعد كورونا.
مقالات أخرى
29 سبتمبر 2024
22 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024