كوهين في البحرين... الخبر العادي
لم تهدأ عاصفة اللقاء السري العابر بين وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، التي أقيلت إثر فضح اللقاء، ووزير خارجية الاحتلال الصهيوني، إيلي كوهين، في روما، إذ لا يزال الجدل شديدًا والإدانة والاستنكار والامتعاض أشدّ، وبينما ذلك كله حاصل، مرّت الاحتفالات البحرينية الإسرائيلية بافتتاح المقرّ الجديد الأكبر لسفارة الكيان بشكل رسمي في العاصمة المنامة، من دون ربع الضجيج المشتعل بشأن ليبيا.
يأتي الحفل الإسرائيلي البحريني في اليوم نفسه الذي قرّر فيه الاحتلال تنفيذ غزوة خاطفة، على طريقة اجتياح اليوم الواحد، لمخيّم جنين في الضفة الغربية المحتلة، والاعتداء على فصائل المقاومة الفلسطينية، والعودة سريعًا، وكأنها رسالة سياسية أكثر من كونها عملية عسكرية، احتفالًا بما حقّقته تل أبيب في المنامة.
قال وزير الخارجية الإسرائيلي، ويكاد يخرج لسانه للفلسطينيين في أثناء حفل الافتتاح إنه تم الاتفاق مع الجانب البحريني على زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة والسياحة وحجم التجارة والاستثمار، منوّهًا إلى أنه منذ توقيع اتفاقيات أبراهام هناك خمسون اتفاقية ومذكّرة تفاهم وخمس رحلات أسبوعية مباشرة بين تل أبيب والمنامة. وبدا وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني، مبتهجًا، وهو يقول إن المقر الجديد الأكبر مساحة من السابق "يلعب دورًا محوريًا في تعاوننا".
بذلك يكون للاحتلال الإسرائيلي سفارتان في الخليج، بعد أن كانت أبو ظبي قد أخذت السبق في مجال التطبيع الساخن، الذي بات على باب السعودية، لا يفصله عنها سوى الجسر الذي يربطها بالدولة الأقرب لها في كل شيء، والأكثر ولاءً وارتباطًا عضويًا بالرياض، إلى الحدّ الذي تتطابق معه المواقف والخيارات.
لن يكون جديدًا إذا أعدنا التأكيد على أن كل اقتراب من إسرائيل هو ابتعاد عن فلسطين، حتى لو أقسم المطبّعون، قديمهم ومستجدّهم، أنهم يفعلونها من أجل فلسطين ومن أجل السلام، فما بالك ونحن بصدد طوْر تطبيعي مستحدَث يعلن أصحابه، بكل وضوح وصراحة، أنهم يتعاونون مع الاحتلال لتحقيق المصالح الثنائية المشتركة، وهو ما يعدّ تغييرًا جذريًا في خطاب المطبّع العربي الذي كان يتسلل تحت غطاء القضية ومعاناة الشعب الفلسطيني.
غير أن المسألة في التطبيع الخليجي تأخذ أبعادًا أكثر استفزازًا وإهانة لمشاعر الشعوب العربية، حين تسقط كل الاعتبارات، وتقيم اعتبار المنفعة الاقتصادية والأمنية وحدها، ليطغي منطق الشراكة ضد الإرهاب (ومنه المقاومة الفلسطينية بالتعريف الإسرائيلي) على شعارات البحث عن السلام للمنطقة كلها، وفي ذلك لا تزال تصريحات أول وفد رسمي بحريني يزور الكيان الصهيوني في العام 2020 عالقة في الذاكرة، حين صرّح رئيسه للإعلام الصهيوني بضرورة التصدّي لمن أسماهم "المتطرّفين الفلسطينيين" الذين يحولون بين وفود التطبيع العربية والمسجد الأقصى، ما يضطر المطبّعين إلى الدخول سرًا في حماية جنود الاحتلال لحمايتهم من ردّة فعل الفلسطينيين الذين يهاجمونهم.
الكلام هنا، بالطبع، ليس عن الشعوب الخليجية التي لا تزال تسجّل في غالبيتها الكاسحة مواقف محترمة ضد التطبيع، ومن ذلك مثلاً ما فعلته الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، وهي وزيرة بحرينية سابقة، وكانت تترأس هيئة البحرين للثقافة والآثار منذ أكثر من سبع سنوات، عندما كانت تجلس في مجلس عزاء والد السفير الأميركي في بلادها، و دخل سفير العدو الصهيوني، فرفضت مصافحته وغادرت المكان كله، وهو الموقف النبيل الذي كلفها منصبها الرسمي.
على أن السؤال يبقى معلقًا: لماذا مرّت الخطوة الأخيرة بين المنامة وتل أبيب من دون صخب إعلامي كبير، مقارنة باشتعال النار في حقول الكلام بعد خطوةٍ شخصيةٍ لوزيرة ليبية تسبّبت في إقالتها؟
السؤال إلى وسائل الإعلام العربية.