كيف تختار فريق كرة قدم لتشجّعه؟
انشغل العالم، حوالي شهر، بمونديال قطر، منذ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022. رفعت مواقع إخبارية نسبة متابعة هذه النسخة من المونديال إلى مليارات المشاهدات! بحسب "بي إن سبورت"، فاق عدد مشاهدي مباراة الافتتاح في بريطانيا وحدها الملايين الستة.
ولأنني رجل حُرم من تذوق متعة كرة القدم، كنت أفكر في شأن آخر. كيف يختار الناس الفرق والمنتخبات التي يشجّعونها؟ فمنتخبات مثل البرازيل والأرجنتين وألمانيا وفرنسا تحظى بتأييد كبير من مشجّعي كأس العالم. بل يصل الأمر إلى حد التناحر والتشاحن بين مواطنين عرب في تفضيل منتخبات على منتخبات.
في طفولتي، لمّا كنت أظنّ أن من السهل عليّ أن أكتسب مهارة متابعة كرة القدم، كنت أختار من أشجّعه حسب الألوان التي يرتديها الفريق. وهذه كما ترى وسيلة طفولية لتفضيل فريقٍ على آخر. ثم وجدت كثيرين يلهجون بالكرة الألمانية والهولندية، كان ذلك زمان أسماء مثل رودي فولر وفان باستن. وأسطورة لم ندركها من البرازيل اسمها بيليه. ثم جاءت الأرجنتين بساحرها مارادونا في مونديال 1986.
ببحثٍ سريع على الإنترنت، وجدت عدة نصائح عن كيفية اختيار فريق لتشجّعه. أولاها تشجيع فريق المنطقة التي تعيش بها. ثم تشجيع فريق بناء على تاريخه في اللعبة. ثم تشجيع الفريق الذي تشجّعه أسرتك. وبحسب بعض المواقع، يميل أناس إلى تشجيع الفرق المستضعفة. وهذه عقدة يعرفها كتّاب الدراما والأدب. ولها جذور في الملاحم والأساطير الإنسانية. ربما لهذا شجعت في مونديال 2002 منتخب السنغال الذي هو، حسب التصور النمطي، أضعف من الفرق الأوروبية واللاتينية، لكنه فاجأ العالم بهزيمة الكبار. هناك أيضاً تحليل بدعم فريق أو منتخب بسبب لاعب أو مدرّب. وهذا أمر لاحظته في مشجّعي البرتغال، الذين يدينون بالإعجاب لكريستيانو رونالدو.
بدأت، أخيرا، ألاحظ أن الأمور لم تعد كما كانت، فالمشجّعون يتعاملون مع فرق كرة القدم بشكل مختلف، تدخل فيه السياسة والتاريخ، وتتقاطع فيه قضايا عديدة، فمن لا يحبّون فريق البرتغال يهاجمونه لأنهم لا يحبّون رونالدو! وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وجدت كتابات عربية تخوض في سيرته الأسرية، باعتبارها سبباً منطقياً لتشجيع الفريق الذي ينافس البرتغال. يريد المشجّع أن يرى حزن رونالدو وهزيمته، لأنه لا يحبّ علاقته مع صديقته جورجينا. لذلك يجب أن يخسر المنتخب البرتغالي!
هناك من يمجّدون لاعب المنتخب الأرجنتيني ميسّي حد التقديس. وإن لم يبلغ الأمر مرحلة مارادونا الذي دشّن بعض محبّيه كنيسة هزلية باسم الكنيسة المارادونية. ولها أعياد دينية، في ذكرى ميلاده في 30 أكتوبر/ تشرين الأول، رأس السنة المارادونية. وفي 22 يونيو/ حزيران، ذكرى هدفه الشهير في مرمى بريطانيا. لكن من يشجّعون فريقاً ضد الأرجنتين يلجأون إلى تاريخ الدولة اللاتينية مع السود. وهو تاريخٌ من التطهير العرقي انتشر بكثافةٍ في مقال على الإنترنت في السنوات الماضية، لكنه عاد بقوة إلى الواجهة في الأسابيع الماضية، خصوصا قبل مباراة النهائي بين فرنسا والأرجنتين. حتى أنه جرى تداوله على "واتساب" بشكل جعل إحدى الساخرات تقول إن مبابي نفسه لا بدّ أنه هو من يرسل هذه الرسائل بكثافة. .. مبابي وفرنسا أيضاً كانت لهما حصة من الكراهية السياسية هذه، فكتب بعض شيوخ السلفيين دعوة لله أن يكسر قلب الرئيس الفرنسي، ماكرون، بهزيمة منتخب بلاده. وتداول كثيرون تاريخ فرنسا الاستعماري!
بشكل ما، بدت لي هذه الحملات السياسية قريبة الشبه بطريقة التشجيع الطفولية تلك التي تنحاز للون لبس الفريق. هو مجرّد انحياز نفسي غير عقلاني، لكنه يبحث عن مبرّر. لكن باب التبرير هذا لو فُتح لن يُغلق، فأين هو ذلك المنتخب الذي لن تجد في تاريخ بلاده، أو اختلاف دينها، ما يجعلك تعاديه. وهو ما بلغ قمته في مباريات المغرب مع إسبانيا، والمغرب مع البرتغال، حيث عدّها بعض المشجّعين ريمونتادا (عودة) لسقوط غرناطة!