كيف قرأت إسرائيل أول عام لبايدن؟
يبدو أنّ كثيراً من مشاعر القلق التي انتابت إسرائيل إثر تبدّل الإدارة الأميركية تبدّدت مع انقضاء أول عام من ولاية الرئيس جو بايدن هذه الأيام، مثلما يُمكن الاستدلال من أغلب التعليقات التي تطرّقت إلى هذا الموضوع. وقد خلصت هذه على نحوٍ متطابقٍ إلى ما يلي:
بداية، كان واضحاً أنّ العلاقات بين إدارة بايدن وإسرائيل لن تكون قريبةً مثلما كانت إبّان إدارة سلفه دونالد ترامب، ولكن الخشية كانت أن تصبح كما كانت في فترة ولاية باراك أوباما، والتي توصف بأنّها "سيئة" من جرّاء الخطوط العامة لسياسته الخارجية، العالمية والإقليمية. وبالأساس، على خلفيّة خلافات جليّة بين الدولتين، ولا سيما حيال الملف الإيراني النووي، والقضية الفلسطينية، على الرغم من أنها لم تفسد لودّ العلاقات الأمنية الثنائية الخاصة قضيةً (في عام 2016 وقّع أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نتنياهو اتفاق مساعدات عسكرية لإسرائيل مدته عشرة أعوام بحجم 3.8 مليارات دولار سنوياً). وما يتبين الآن أنّ هذه العلاقات ليست كما كانت لدى ولاية أوباما.
ووفقاً لأكثر من مصدر، ظلت قناة التواصل الأكثر أهمية على مستوى وزراء الدولتين في مجال الأمن، بين وزيري الدفاع، وهي قناة مهمة من وجهة النظر الإسرائيلية، كونها تضمن تجنيد وزير الدفاع الأميركي لترجيح الاعتبارات الأمنية لدى تحديد سياسة واشنطن إزاء الموضوع النووي الإيراني، وتضمن تزويد إسرائيل بسلاحٍ وعتادٍ متقدّم، ومواصلة التدريبات المشتركة، وتطوير الجانبين، العسكري والأمني، من "اتفاقيات أبراهام". وما أظهرته هذه القناة، بموجب ما تقوله جلّ التعليقات، أنّ إدارة بايدن لا تتنكّر للحاجات الاستراتيجية لحلفائها، وأنّه على الرغم من أنّ مساحة المناورة لإسرائيل ضاقت نسبياً عمّا كانت عليه خلال رئاسة ترامب، إلّا أنّ موقفها التفاوضي إزاء الإدارة الأميركية في موضوعات حسّاسة بالنسبة إلى أمنها ورفاهها لا يزال جيداً جداً.
ماذا بالنسبة لقادم الأيام؟ من المتوقع، في عرف القراءات الإسرائيلية، أن تستمرّ إدارة بايدن في تركيز اهتمامها على الساحة الأميركية الداخلية، وأن تُعمّق مقاربة النأي بالنفس عن التدخل المباشر والعميق في منطقة الشرق الأوسط، من أجل التركيز أكثر على تحديّات في مناطق أخرى، في طليعتها التحدّي الصينيّ. وفي هذا الشأن، أكثر ما يلفت النظر أنّ محللين وخبراء إسرائيليين كثيرين يؤكّدون أنّ منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إلى الأميركيين أقل أهمية مما كانت عليه إبّان فترة الحرب الباردة، وخلال أيام اعتمادهم على استيراد النفط، لكنها لا تزال تشكّل مفترق طرق استراتيجياً وحساساً، يمكن أن يجرّهم إلى تدخلٍ لا يرغبون فيه. ومن أجل ترسيخ الاستقرار في المنطقة هم بحاجة إلى دول إقليمية عظمى شريكة في المصالح الأميركية، وفي مقدمتها، بموجب درجة الأهمية، إسرائيل بالإضافة إلى عدة دول عربيّة. ولدى وصولهم إلى هذه النتيجة، يشدّدون على أنّه في الحسابات الاستراتيجية الجافّة، ومن دون الأخذ في الاعتبار الصداقة والقيم المشتركة، تظلّ كفّة إسرائيل راجحة على أي دولة عربيّة، كونها دولة في الوسع الاعتماد عليها، و"لا يمكن حشرها في الزاوية"، على حد تعبير أحد الخبراء.
وارتأى دبلوماسي سابق إعادة التلويح بـ"الخدمات الأمنية الاستراتيجية" التي تقدمها إسرائيل إلى الولايات المتحدة، وتعدّ برأيه أفضل ضمان لصيانة "العلاقات الخاصة" بين الدولتين في المدى البعيد. ومما كتبه (على ذمته طبعاً) أنّ إسرائيل ستبقى، في عام 2022، شريكة طليعية بالنسبة إلى الولايات المتحدة في كلّ ما يرتبط بجهودها الرامية إلى الحفاظ على رصيدها التكنولوجي (الأمني والمدني) وإلى زيادته، في مقابل الصين وروسيا وأوروبا واليابان. وعلى الرغم من أنّ عدد سكان إسرائيل هو 0.11% من عدد السكان في العالم، فإنّها تشكّل ميداناً لـ20% من الاستثمارات العالمية في مجال السايبر، كما أنّ نسبة الشركات الناشئة الإسرائيلية في مجال الذكاء الاصطناعي هي 20% من إجمالي الشركات في هذا المجال في العالم!