لبنان... سقوط قواعد الاشتباك
منطقياً، لم يعد جائزاً الحديث عن قواعد اشتباك في الجبهة اللبنانية بين حزب الله وإسرائيل، إثر تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيَين في مناطق نفوذ حزب الله في لبنان، الذي أدّى إلى استشهاد 37 شخصاً على الأقلّ، وجرح أكثر من 2950 آخرين، بحسب أرقام وزارة الصحّة اللبنانية.
ربّما للمرّة الثانية في غضون أربع سنوات يكون للبنان حدثان بمثابة 11 سبتمبر (2001) الأميركي؛ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020 وتفجيرات ذلكما اليومين. وإذا كان تغييب العدالة في الحدث الأول أدّى إلى تهميش حقوق أكثر من 220 ضحية وسبعة آلاف جريح، فإنّ الحدث الثاني، لا ينتظر عدالةً قضائيةً، بقدر ما يستوجب خطوةً جوهريةً. إذا أراد أيّ شخص الخوض في تفكير عميق، سيدرك أنّه في ظلّ الاختراقات التي حصلت في صفوف حزب الله، باعتراف وسائلَ إعلامٍ موالية له، أفردت مساحاتٍ عن تورّط شخصيات من الحزب وعمالتهم لإسرائيل، حتّى إنّ الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بدا واجماً في إطلالته أوّل من أمس الخميس، وفي أثناء الكلام عن الاختراقات.
عادةً، في مثل هذه الظروف، تصبح القرارات الاستراتيجية جزءاً من ديمومة سياسية ومستقبلية. وهو ما يجب أخذُه في عين الاعتبار في الأيّام المُقبلة. في المقابل، بدا الاحتلال أكثرَ استعداداً للجبهة اللبنانية عما كان في الأشهر الماضية، ولذلك ألف سبب وسبب، يبدأ أوّلاً بالاعتقاد أنّ الإسرائيليين في أزمة، وأنّ الاحتلال أضعف من القتال في جبهتَين. كما أنّ الاستخفاف بالعدوّ أكثر إيلاماً من التجهيز لقتاله. لم يأبه الاحتلال لرأي العالم وبما يُدعى المجتمع الدولي والعدالة الدولية، فيما اعتقدنا هنا العكس. لا يعني ذلك التخلّي عن شرائع جامعة بين دول الكوكب، بل حصراً فهم حقيقة السلوك الإسرائيلي، غير المكترث لبشر هذه المنطقة. لم يأخذ الإسرائيليون وقتاً طويلاً لإظهار فظائعهم أمام العالم، معتمدين على الولايات المتّحدة بشكل أساس، وعلى رفع العتب المُمارَس من الصين وروسيا، المُفترَض أنّهما قادرتان على مواجهة الأميركيين وخلق توازن في المنطقة يدفع إسرائيل إلى الخضوع للقرارات الدولية، ووقف الإبادة في غزّة، والانصياع لحلّ الدولتَين. ما الذي جرى؟
تحدّثت روسيا عن مليوني إسرائيلي من أصل روسي، الصين انكفأت إلى محاولة رسم خريطة للوحدة السياسية الفلسطينية، وعلى صعيد الإقليم بين إيران والسعودية، فيما انصرف الأميركيون الى تمرير السلاح إلى إسرائيل من جهة، ورفع شعار الحلّ السياسي من جهة أخرى. في ظلّ هذه الحمأة، يصبح الحذر ضرورياً، تحديداً في طرح أسئلة من نوع: حزب الله ولبنان غرقا في جبهة الإسناد، الفصائل العراقية بدرجة أقلّ والحوثيون في اليمن أيضاً. في المقابل، اهتمّت إيران بشؤونها. لم تردّ بقوّة على تدمير إسرائيل قنصليتها في سورية، ولا ردّت على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة، في 31 يوليو/ تمّوز الماضي، بل انصرفت إلى إتمام استحقاقاتها الانتخابية، البرلمانية والرئاسية، تاركةً فصائلها في واجهة القتال مع إسرائيل. الأدهى أنّ الأدبيات الإيرانية كلّها تقريباً، ركّزت أخيراً في كيفية إحياء الاتفاق النووي مع أميركا على حساب الحلول في غزّة أو في جبهة لبنان، مع التأكيد أنّ الصاروخ الحوثي الذي استهدف إسرائيل منذ أيّام، ليس إيرانياً.
حسناً، لنطلب وقتاً مستقطعاً في هذا الشرق؛ إذا كانت إيران تحاول تحصين أوراقها التفاوضية مع الولايات المتّحدة، ما الذي يمنع تخلّيها عن حلفاء لها في هذا السياق؟ وبالتالي، لم علينا الاعتماد عليها لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، طالما أنّ أهدافها نووية لا القضية؟ ... الآن على جبهة لبنان، سيخفت الكلام ويرتفع صوت المدافع، وسيدفع كثيرون أثماناً باهظة. وبعد أشهر، حين نكون في سبيل البحث عن مستقبل ما بعد الحرب، تكون طهران تجلس إلى طاولة واحدة مع واشنطن للاتفاق على مرحلة سياسية تطبيعية بين الطرفَين.