لبنان: هل يأتي يوم الحساب؟
مرّت أربعة أيام على انفجار مرفأ بيروت. لم يستقل أو يعتقل أي مسؤول لبناني. خرجت الحكومة على اللبنانيين، لتخبرهم أنها قررت وضع المسؤولين عن التخزين في العنبر رقم 12 وحراسته قيد الإقامة الجبرية بانتظار نتائج التحقيق. حتى أن أحد الوزراء اعترض على ذلك، مطالباً بالاكتفاء بمنع السفر. يُخيل لمن سمع الخبر والاعتراض أنّ الذين قيدت حركتهم هم كبار مسؤولي هذا المرفأ، المدنيون منهم والعسكريون وعلى كثرتهم، أو يتهيأ له أن من بين هؤلاء رؤساء حكومات ووزراء. لكن لا شيء من ذلك صحيح.
كما جرت العادة في لبنان، سيدفع الثمن أولاً صغار الموظفين. أما كبارهم، القتلة الحقيقيون، فيعتقدون أنهم سيكونون في منأى عن العقاب، وسيفلتون من جريمتهم الجديدة، ولذلك هم يفكرون من الآن كيف سينهبون أي مساعدات مالية ستقدّم، كيف سيقتسمونها في ما بينهم، وأي جزء من المرفأ سيكون من نصيبهم عند إعادة إعماره.
نزفت بيروت في أيدي أبنائها وعلى أجسادهم، الذين اعتادوا الهزائم والانكسارات والانفجارات، ثم النهوض والتمسك بالحياة، لكنهم اليوم أكثر من أي وقت مضى استنفدوا قدرتهم، وحتى رغبتهم في النجاة. جل ما يطلبه اللبنانيون المحاسبة الجادّة للمسؤولين عن الجريمة، بما يعنيه ذلك من إطاحة الرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة. لن يضطرّ اللبنانيون، هذه المرة، للبحث أو التكهن عن المتسبب في دمار مدينتهم، وفي تبخر جنى أعمارهم والمأوى الذي كان يحميهم.
من قرّر وضع أكثر من 2700 طن من نترات الأمونيوم في العاصمة، بين أحيائها التجارية والسكنية، هو من يجب أن يُحاسب. من سمح باستمرار تخزين هذه المواد أكثر من ست سنوات، وهو يدرك أنها بحجم قنبلة نووية قادرة على محو أحياء كاملة هو من يفترض أن يُعتقل. كل من عرف بهذه الجريمة وغض بصره عنها يجب أن يعاقب. من أرسل فرقة كاملة من رجال الإطفاء إلى العنبر رقم 12 من دون أن يخبرهم ما في داخله يجب أن يدفع الثمن. من علِم بخطورة الحريق، ولم يطلب إخلاء المرفأ والمنطقة المحيطة وكل من مرّت على مكتبه وثيقة أو ورقة لها علاقة بحاوية الموت مسؤول عن كل قتيل وجريح ومشرد.
حيوات كاملة انتهت أو تحطمت. .. ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء بالشعب أكثر من ذلك؟ فحتى القنبلة المدمرة كان لديهم فائض من قلة المسؤولية والاستهتار والفساد لوضعها في قلب العاصمة. يريدون التحقيق مع أنفسهم في الجريمة. هل من أحد قادر على تصديق أنهم سيدينون أنفسهم. هل سيقولون نحن قتلة ومجرمون وفاسدون؟ هل سيعترفون بأنهم مسؤولون عن أكثر من مائة قتيل وخمسة آلاف جريح وثلاثمائة ألف مشرّد بلا مأوى؟ مخطئ كثيراً من يتوهم ذلك. هذه السلطة الحاكمة والوقحة، وإلى جوارها كل القوى السياسية التي شاركت في الحكم منذ ما بعد انتهاء الحرب الأهلية، ترى في اللبنانيين مجرّد أرقام. تفجيرهم بقنبلة وقتلهم وسرقة حياتهم لا يستدعي استقالة واحدة أو اعتقالاً واحداً.
تهديد ثروات هذه الطبقة، حصون فسادها، أو كلمة انتقاد بحقها هي فقط الأمور التي تجعلها تستنفر وتستشيط غضباً فقط، فتنهال بالتهديد والوعيد، تماماً مثل ذلك العسكري الذي حاول أمس منع إحدى المراسلات استكمال استصراح شقيق أحد المفقودين، فقط لأنه كان يسأل عن مصيره وعن المسؤول عما جرى.
لن يرضى هذا النظام عن اللبنانيين إلا بفنائهم أو استسلامهم التام لجبروته. أما اللبنانيون، أقله الذين خسروا ذويهم، والذين عبروا فوق الجثث المتفحمة، والذين لا يزال صوت الانفجار يتردّد في آذانهم ويطاردهم حتى في نومهم، فلن يسامحوا. بالنسبة إليهم يأملون، من دون أن يكونوا على يقين، أنه سيأتي يوم الحساب من زمرة المجرمين والفاسدين.