22 نوفمبر 2024
للبيع بأعلى سعر: سرير عزل كورونا
لن يكون صادمًا لو طالعت هذا الإعلان بهذه الصيغة في مصر: للبيع بأعلى سعر والدفع نقدًا ومقدمًا، سرير عزل بمستشفى خاص لمريض كورونا، مع إضافة تفاصيل أخرى مغرية، من نوعية الموقع الفريد والإطلالة الرائعة لغرفة العزل، والبرنامج الغذائي والترفيهي الفخيم طوال فترة الاستشفاء.
قد يكون ذلك قريبًا من الفانتازيا، لكنه ليس بعيدًا عن الواقع تمامًا، إذ حدث بالفعل أن تم نشر إعلان، في صورة نداء إنساني عاجل، في "جروب" للأطباء يقول مضمونه: مطلوب سرير لحالة كورونا في مستشفى خاص بحدود 10 آلاف جنيه في اليوم. وهنا لا وجود للفانتازيا على أي نحو من الأنحاء، إذ لم يعد خافيًا على أحد أنه في ظل عاصفة كورونا في مصر، فإن البقاء للأغنى والأكثر قدرة على دفع نفقات العزل الصحي والإقامة في المستشفيات الخاصة، التي وصلت فيها الأسعار إلى أرقام فلكية، تبلغ في بعض الأماكن 50 ألف جنيه مصري (أكثر من ثلاثة آلاف دولار) في اليوم الواحد.
إقدام السلطات المصرية على إفساح المجال أمام المستشفيات الخاصة والاستثمارية للعمل في علاج حالات كورونا، مع طرح قائمة أسعار، على طريقة الفنادق والمنتجعات السياحية، بحيث تتفاوت من مكان إلى آخر، تسبب في تحويل الوباء إلى بورصة، أو فرصة استثمارية هائلة، وفتح أبواب السوق السوداء على مصاريعها، بالنظر إلى أنه لا توجد بدائل أخرى، حيث المستشفيات الحكومية بلا إمكانيات تقريبًا، فضلًا عن الإجراءات المعقدة والبطيئة، حد القتل.
ذلك كله أنشأ واقعًا أليمًا يقول إن العلاج من كورونا حلم مستحيل للفقراء ومحدودي الدخل، في ظل سياسات نظام يبيع للمصريين الهواء الذي يتنفسونه، ويرفع منذ اليوم الأول شعار "هتدفعوا يعني هتدفعوا"، الأمر الذي خلق مناخًا اجتماعيًا متوحشًا، يدهس الفقراء ويطحن عظامهم بسياسات اقتصادية هوجاء، وأنماط من الإنفاق السفيه على مشروعات لا يستفيد منها سوى تلك الدائرة الضيقة من ضباع الأوليغاركية المسيطرة على مفاصل السلطة والثروة في مصر.
في الدستور المصري، قبل الانقلاب العسكري وبعده، هناك نص واضح على أن الدولة مسؤولة عن توفير المظلة الصحية لعموم المواطنين، حيث ورد ضمن المادة الخاصة بالصحة ما يلي: "وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون".
هذه المادة واضحة وقاطعة في النص على تجريم الامتناع عن تقديم العلاج لكل إنسان في حالات الطوارئ، غير أن الواقع مختلف تمامًا، إذ تتناوب الدولة والقطاع الخاص افتراس المواطن، بحيث صارت حياة الإنسان مرهونة بقدرته على سداد الفواتير الفلكية للنجاة من الهلاك، إذ لا معنى لإخضاع الخدمة الطبية وقت الوباء لقوانين السوق، العرض والطلب، سوى أن الجميع اتفقوا على المشي بالأحذية فوق نصوص الدستور المكتوب، بالإضافة إلى احتقار وامتهان القانون الإنساني والأخلاقي الذي يحافظ على حياة البشر وكرامتهم.
في ظل هذه الأوضاع البائسة، تتحدد قيمة الفرد، وتثمن حياة المواطن تبعًا للمسافة بينه وبين السلطة الحاكمة، من ناحية، وقدرته الشرائية ومكانته الاجتماعية من الناحية الأخرى، وعلى ذلك من الطبيعي أن تنشغل الدولة كلها بحالة الفنانة رجاء الجداوي، التي نتمنى لها السلامة والنجاة، فيما يرحّل أطباء شباب وهم يحاربون في الصفوف الأولى، لأنهم حين أصابهم الفيروس القاتل لم يهرع لإنقاذهم أحد، إذ لا يجدون سوى الإهمال ونظرة الارتياب وتأليب مشاعر الشعب ضدهم، حتى بات الاعتداء عليهم في مقار عملهم شيئًا اعتياديًا.
من الطبيعي والحال كذلك أن يعقد الناس المقارنات بين مشاهد موت الفقراء على أبواب مستشفيات ليس بها مكان لهم، وبين حالة الفنانة التي أظهروها في إطلالةٍ مؤثرةٍ بملابس كورونا في المستشفى، حيث مصحف ضخم مفتوح على سرير المرض وطبيب أو ممرض شاب يلتقط صورة تذكارية مع النجمة في سعادة أنسته اتخاذ الاحتياطات الخاصة بمخالطة حالة كورونا، ثم تسريبات عن تدهور حاد في صحتها، مع نشر أخبار، ثم حذفها، عن موتها إكلينيكيًا... ثم تصريحات بأن النجمة تطلب من الشعب تكثيف الدعاء... وأخيرًا النجمة بخير.
مرة أخرى، الحمد لله على سلامة رجاء الجداوي بالطبع، بوصفها سيدة مصرية مسنة أصيبت بالفيروس، حتى وإن أراد أهل السلطة أن يجعلوا منها "المريض القومي" الذي تحارب به مصر الأعداء "قطر والقنوات الإخوانية" بالتعبير التافه لنقيب الممثلين، الذي جال على الفضائيات، متحدثًا عن الفنانة التي إن مرضت، فالوطن ليس بخير، وإن تألمت فعلى الشعب كله الأنين والصراخ.
إقدام السلطات المصرية على إفساح المجال أمام المستشفيات الخاصة والاستثمارية للعمل في علاج حالات كورونا، مع طرح قائمة أسعار، على طريقة الفنادق والمنتجعات السياحية، بحيث تتفاوت من مكان إلى آخر، تسبب في تحويل الوباء إلى بورصة، أو فرصة استثمارية هائلة، وفتح أبواب السوق السوداء على مصاريعها، بالنظر إلى أنه لا توجد بدائل أخرى، حيث المستشفيات الحكومية بلا إمكانيات تقريبًا، فضلًا عن الإجراءات المعقدة والبطيئة، حد القتل.
ذلك كله أنشأ واقعًا أليمًا يقول إن العلاج من كورونا حلم مستحيل للفقراء ومحدودي الدخل، في ظل سياسات نظام يبيع للمصريين الهواء الذي يتنفسونه، ويرفع منذ اليوم الأول شعار "هتدفعوا يعني هتدفعوا"، الأمر الذي خلق مناخًا اجتماعيًا متوحشًا، يدهس الفقراء ويطحن عظامهم بسياسات اقتصادية هوجاء، وأنماط من الإنفاق السفيه على مشروعات لا يستفيد منها سوى تلك الدائرة الضيقة من ضباع الأوليغاركية المسيطرة على مفاصل السلطة والثروة في مصر.
في الدستور المصري، قبل الانقلاب العسكري وبعده، هناك نص واضح على أن الدولة مسؤولة عن توفير المظلة الصحية لعموم المواطنين، حيث ورد ضمن المادة الخاصة بالصحة ما يلي: "وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون".
هذه المادة واضحة وقاطعة في النص على تجريم الامتناع عن تقديم العلاج لكل إنسان في حالات الطوارئ، غير أن الواقع مختلف تمامًا، إذ تتناوب الدولة والقطاع الخاص افتراس المواطن، بحيث صارت حياة الإنسان مرهونة بقدرته على سداد الفواتير الفلكية للنجاة من الهلاك، إذ لا معنى لإخضاع الخدمة الطبية وقت الوباء لقوانين السوق، العرض والطلب، سوى أن الجميع اتفقوا على المشي بالأحذية فوق نصوص الدستور المكتوب، بالإضافة إلى احتقار وامتهان القانون الإنساني والأخلاقي الذي يحافظ على حياة البشر وكرامتهم.
في ظل هذه الأوضاع البائسة، تتحدد قيمة الفرد، وتثمن حياة المواطن تبعًا للمسافة بينه وبين السلطة الحاكمة، من ناحية، وقدرته الشرائية ومكانته الاجتماعية من الناحية الأخرى، وعلى ذلك من الطبيعي أن تنشغل الدولة كلها بحالة الفنانة رجاء الجداوي، التي نتمنى لها السلامة والنجاة، فيما يرحّل أطباء شباب وهم يحاربون في الصفوف الأولى، لأنهم حين أصابهم الفيروس القاتل لم يهرع لإنقاذهم أحد، إذ لا يجدون سوى الإهمال ونظرة الارتياب وتأليب مشاعر الشعب ضدهم، حتى بات الاعتداء عليهم في مقار عملهم شيئًا اعتياديًا.
من الطبيعي والحال كذلك أن يعقد الناس المقارنات بين مشاهد موت الفقراء على أبواب مستشفيات ليس بها مكان لهم، وبين حالة الفنانة التي أظهروها في إطلالةٍ مؤثرةٍ بملابس كورونا في المستشفى، حيث مصحف ضخم مفتوح على سرير المرض وطبيب أو ممرض شاب يلتقط صورة تذكارية مع النجمة في سعادة أنسته اتخاذ الاحتياطات الخاصة بمخالطة حالة كورونا، ثم تسريبات عن تدهور حاد في صحتها، مع نشر أخبار، ثم حذفها، عن موتها إكلينيكيًا... ثم تصريحات بأن النجمة تطلب من الشعب تكثيف الدعاء... وأخيرًا النجمة بخير.
مرة أخرى، الحمد لله على سلامة رجاء الجداوي بالطبع، بوصفها سيدة مصرية مسنة أصيبت بالفيروس، حتى وإن أراد أهل السلطة أن يجعلوا منها "المريض القومي" الذي تحارب به مصر الأعداء "قطر والقنوات الإخوانية" بالتعبير التافه لنقيب الممثلين، الذي جال على الفضائيات، متحدثًا عن الفنانة التي إن مرضت، فالوطن ليس بخير، وإن تألمت فعلى الشعب كله الأنين والصراخ.