لمّا فضحت عدنيّة شبلي كذبةً سوداءَ عن 7 أكتوبر
واحدةٌ من أكاذيب سوداء أشاعتها ميديا الإجرام الصهيوني في العالم، وصدّقها جون بايدن وغيرُه (وربما الطاهر بن جلّون أيضا)، أن المقاتلين الفلسطينيين الذين باغتوا مواقع ومستوطناتٍ وكيبوتزاتٍ إسرائيلية في عملية 7 أكتوبر الباهرة، اغتصبوا في الأثناء نساءً إسرائيليات. ومن مصادفاتٍ، ذات دلالاتٍ عميقةٍ وثقيلة، أن رواية الفلسطينية عدنيّة شِبلي (1974)، المكتوبة بالإنكليزية، والصادرة مترجمةً إلى العربية في 2017 "تفصيل ثانوي" (دار الآداب، بيروت)، منشغلةٌ بواقعة اغتصابٍ ارتكبها جنودٌ إسرائيليون مع فتاةٍ فلسطينية، قبل قتْلها، في أثناء إغاراتهم في النقب في صيف العام 1949. وإذ ألغى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب حفل تكريم كاتبتها، كان موعدُه يوم الجمعة المقبل، بتقديم جائزةٍ لها تُمنح للآداب غير الغربية، استحقّتها في يونيو/ حزيران الماضي (انسحب أحد أعضاء لجنة التحكيم احتجاجا)، فإنه (المعرض) قصَد التعميةَ على فضيحة الكذبة الفادحة التي ذاعت في بعض الميديا الألمانية، بعد أن روّجتها "سي إن إن" (اعتذرت المذيعة التي قرأت الخبر، بعد انكشاف كذبِه، وليست المحطّة!)، فكيف سيستقيمُ، إذن، تقديم روايةٍ أدبيةٍ (وليست إعلامية) نهضت على واقعةٍ نشرت تفاصيلَها الصحيفة الإسرائيلية، هآرتس، في 2005، وهي اغتصاب ضبّاط وجنود إسرائيليين فتاتيْن (اعتنت الرواية بفتاة!) في هجير النّقب في صيف عامٍ بعد نكبة التهجير الكبرى للفلسطينيين، فيما الكذبةُ الخائبة، والمنحطّة بداهةً، أن المقانلين الفلسطينيين هم الذين يغتصبون؟
كأن مدير المعرض، يورغن يوس، عندما ألغى الاحتفالية أقدم على أمرٍ يتّسق مع دعوته أصواتا يهودية وإسرائيلية، ليكونوا المتحدّثين في المعرض "نظرا للإرهاب الذي تعرّضت إليه إسرائيل"، إذ سيكون حضور عدنيّة شِبلي، وتكريمها، أمرا غريبا، سيما وأنه كان سيجري احتفالٌ بروايةٍ ستبدو ردّا، مبنيّا على ما هو موثّق تاريخيا، استيحاءً منه انبنت عملا أدبيا سرديا. وصفت كاتبة أميركية (نانسي كريكوريان) الرواية بأنها رائعة، وقالت عنها لجنة التحكيم التي كرّمتها بالجائزة الرفيعة، إنها "عملٌ فنيٌّ مُحكمٌ يحكي عن سطوة الحدود، وما تفعله الصراعات الدموية في البشر". وإن الكاتبة "تلتفتُ بيقظةٍ كبيرةٍ إلى تفاصيل ثانويةٍ تتيح لنا أن ننظر إلى جراحٍ وندوبٍ قديمةٍ تتوارى خلف السطح". كيف، إذن، لعدنيّة شِبلي، أن تكون هناك، والمعرض الرفيع تجنّد للانتصار ضد "الإرهاب الفلسطيني" الذي تتعرّض له إسرائيل؟ كيف لها أن تقول ما ستقولُه عن اغتصابٍ شنيعٍ تعرّضت له فتاة فلسطينية من جنودٍ إسرائيليين احتفلوا في ثكنتهم بفعلتِهم، على ما "وثّق" هذا عملٌ صحافيٌّ تقصّى الواقعة، ونشرَ عنها في "هآرتس"، ولم تفعل الرواية "المكرّمة" غير اختبار المخيّلة في تظهير صورة ذلك الجندي الإسرائيلي الذي مزّق ثوب الفتاة، وجاء بها إلى الخيمة، ثمّ صار ما صار، ثم تظهير صوت شابّةٍ فلسطينيةٍ بعد ربع قرن على تلك الجريمة، تبحث عن الحقيقة، فكانت الرواية الرائقة، المُقطّرة في كثافتها العالية، قليلة الصفحات، والتي، تفضَح، في محملٍ آخر، بعد نحو 15 عاما على جهد تلك الشخصية في الرواية نفسِها، فِريةً شديدة الحقارة والوضاعة، بشأن يوم 7 أكتوبر المجيد، لتقول: جنودُكم هم السفلة الذين يغتصبون النساء ويقتلونُهن، وليس فدائيّونا الشرفاء الأبطال.
حسنا صنعت هيئة الكتاب في الشارقة عندما كانت أول جهةٍ عربيةٍ بادَرت إلى الانسحاب من المشاركة في معرض فرانكفورت للكتاب الذي يُفتَتح غدا الأربعاء، بعد أن أعلن "تحيّزا سياسيا"، وألغى "دور الحوار الذي تشجّعه الثقافة". والتحيّةُ لازمةٌ للهيئة، لأنها تأخذ خطوتها المقدّرة هذه، فيما هي هيئةٌ في بلدٍ عربيٍّ عقد عشرات الاتفاقيات المتنوّعة (بينها ثقافية وتربوية وسينمائية) مع دولة الاحتلال، بعد اتفاقيّتهما الإبراهيمية. وكان طيّبا من بيان الهيئة رفضَه إلغاء احتفالية تسليم عدنيّة شِبلي جائزتها. وجاء في محلّه انسحابُ اتحاد الناشرين العرب من المعرض، واشتمال بيانه رفضَه "تبنّي" المعرض "العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني"، و"موقفه المنحاز وغير العادل"، و"دون النظر إلى المجازر الوحشيّة وفرض الحصار على قطاع غزّة"، و"إلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنيّة شِبلي". والتحيّة لازمةٌ إلى دور النشر العربية التي أشهرت عدم مشاركتها في المعرض احتجاجا، والكتّاب العرب الذين أعلنوا انسحابهم من ندواتٍ مخصّصةٍ لهم فيه (واسيني الأعرج وسعيد خطيبي مثلا).
لنكرّم، إذن، في معارضنا العربية وفي تظاهراتٍ ثقافيةٍ مقبلة، عدنيّة شِبلي التي ردّت على كذبهم الأسود يوم 7 أكتوبر (2023) في روايةٍ صدرت بالإنكليزية قبل سنوات، وعدّتْها أخيرا دارُ نشرٍ بريطانيةٌ عن حقّ "عملا خياليا متعدّد الطبقات ومثيرا".