ليبيا وحوار الخمسة الكبار
أخيراً، وعلى غير العادة، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى حوار "محدود معدود" لحلّ الأزمة السياسية الليبية، في محاولة منها لكسر الجمود السياسي الحاصل في البلاد منذ مدّة ليست قصيرة، ففي واقعة جديدة، ومسار جديد، جاءت مبادرة البعثة تحت مسمّى "الخمسة الكبار"، حصراً وعدَاً، ليكون الاستغراب؛ بل وحتى الاستهجان من أطرافٍ داخليةٍ كثيرة، سواء من ناحية الحصر والاقتصار، أو من ناحية الواقعية والتنفيذ، ناهيك عن الجدوى الحقيقة لهذا الحوار السياسي، للوصول إلى توافق يحلّ العقبات والخلافات التي تواجهها العملية الانتخابية، والتي من أجلها كانت هذه الخطّة، والتي يؤمل منها بالدرجة الأولى الاتجاه بهذه العملية الحوارية ومن ثمَّ الانتخابية إلى الأمام وليس العكس.
تبيّن دلالة المصطلح مرماه ومقاصده، فمنذ أول حوار سياسي كان في البلاد كان الغالب عليها التعدّدية وليس الحصر كما كان في الأخير، ابتداء من مصطلح "حوار الصخيرات" ومن ثمَّ "اتفاق الصخيرات" في 2015 الذي خَلُص إلى وثيقة البرنامج السياسي الوطني للمرحلة التمهيدية للحلّ الشامل، ولم يكن كذلك، وصولاً إلى "ملتقى الحوار السياسي الليبي" في تونس وجنيف، 2020، وأخيرا إلى هذا المصطلح "الخمسة الكبار" في نهاية العام الماضي 2023، الذي يحدّد ولا يُعدّد، بأسماء بعينها ولا يتعدّاها، بعكس ما كان قبله، وليتم تحديد الحوار في كل من: المجلس الرئاسي، وحكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، وما أُطلق عليها "القيادة العامة" في شرق البلاد، معتبرة أن هذه الأطراف في مجملها أطراف الأزمة الرئيسة الفاعلة في البلاد، وبها تمكن معالجة الخلافات التي حالت دون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ نحو عامين، ناهيك عن تمرير قانون توافقي يمكن من خلاله إجراء استحقاق انتخابي شامل يكسر الجمود السياسي، وينهي الانقسام والصراع. وفي المقابل، وفي هذا الاتجاه، لم تتحدّث البعثة عن المكون العسكري والأمني في غرب البلاد (سواء الجيش النظامي أو المكوّنات العسكرية شبه النظامية التابعة له) وكونها جزءا في معادلة القوة على الأرض، والتأثير السياسي المصاحب لذلك.
الأزمة في دائرة مغلقة لا يتحقّق معها تجديد الأجسام التشريعية ناهيك عن التنفيذية فيها
عود على بدء، لقد مرّ على إعلان هذه المبادرة ما يقارب الشهرين، حيث أعلنت البعثة الأممية عن مبادرة الخمسة الكبار في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، إلا أنها لم تستطع التقدّم فيها، بل إنها أعلنت على تعثرها بطريقةٍ غير مباشرة، إذ إن بعضا من الأطراف قدّم شروطا ليكون فيها، وأخرى لا ترتضيها أصلا، وليكون الجمود هو سيّد الموقف، ومن دون تقديم أي مقترحات عملية وآنية تدعم هذه الخطّة والتوجه، أو تغيير المسار، أو حتى تعديل اقتصارها على أطراف محدّدة فقط، لتتوسّع وتشمل كيانات سياسية أخرى لها تأثير في المشهد السياسي الليبي.
خلاصة القول، ما كان في هذه المبادرة سابقة لها دلالاتها من محاولة حصر الأزمة في أشخاص بعينهم، لإحداث واقع سياسي جديد، كانوا من أسباب وجود هذا الواقع. وبالتالي، لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة، ولا يمكن أن يؤسّس لأيِّ اتفاقٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ، خصوصا أن هذه الأطراف كانت جزءاً أساسياً في عرقلة انتخابات 24 ديسمبر (2021)، بل ولم تقدم أي فعل يذكر لكسر الجمود السياسي، والتوجّه نحو تجديد السلطة التشريعية في البلاد من ذلك الوقت، بل ويفهم "بمفهوم المخالفة" أن ذلك يكرّس لوجود طبقة بعينها في الواقع السياسي الجديد، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا يتعدّى الخمسة في كل الأحوال إن رأى النور، ولتكون الأزمة في دائرة مغلقة لا يتحقّق معها تجديد الأجسام التشريعية ناهيك عن التنفيذية فيها.