مؤتمر "اللاجئين السوريين": أن تكذب كثيراً
لم يكن من تابع ما سُمي "المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين" في دمشق، الذي نظمته روسيا، في حاجة إلى وقتٍ كثير لإدراك أن تسمياتٍ عدة أخرى أكثر دقةً تنطبق عليه، ليس جرّاء المقاطعة الدولية له فقط، بل بسبب ما تضمنه.
خرج بشار الأسد بكلمة مصوّرة على المشاركين في المؤتمر، يُخيّل لمن سمعها أن المتحدث هو رسول سلام، وليس المسؤول عن مجازر لا عد ولا حصر لها بحق شعبه، أنتجت، على مدى قرابة عشرة أعوام، أكبر عدد من اللاجئين حول العالم، يجمعهم أمر واحد: عدم الرغبة في العودة إلى سورية طالما أنه لا يزال حاكماً لها.
استفاض الأسد في إنسانيته الزائفة، فاستحضر عبارات مثل "مبادئ إنسانية أخلاقية"، وتطرّق إلى ما تمثله مسألة اللاجئين لنظام القتل والتنكيل من "قضية وطنية". لكنه لم يحتج إلى وقت كثير حتى يخلع هذا القناع، ويتحدّث عن "قضية مفتعلة"، وضغوط يتعرّض لها اللاجئون لمنعهم من العودة، وعن دور العقوبات في إعاقة "إعادة تأهيل البنية التحتية للمناطق التي دمّرها الإرهاب"، لا صواريخه وبراميله المتفجرة التي مسحت مدناً بأكملها عن الخريطة السورية. حتى أن خياله دفعه إلى القول إنّ الأغلبية الساحقة من السوريين يرغبون في العودة "لأنهم يرفضون أن يكونوا رقماً على لوائح الاستثمار السياسي، وورقة بيد الأنظمة الداعمة للإرهاب ضد وطنهم".
فعلياً، لم يكن ما ردّده الأسد في كلمته سوى صدى للراعي الروسي والحليف الإيراني، ولا سيما أنه أكثر من يجيد أداء هذا الدور، وتمرّس فيه على مدى السنوات الماضية، بينما كانت طهران وموسكو لا توفّران وسيلة لمنعه من السقوط، فكلمة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، التي ألقاها المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتييف، كانت واضحة في التركيز على تسييس قضية اللاجئين، وتحميل الدول التي تستضيفهم مسؤولية المعاناة، لأنها ببساطة ترفض التعاون مع النظام السوري. وهو ما لاقاه فيه أيضاً مساعد وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، الذي كرّر لازمة منع اللاجئين من العودة، وصوّب على العقوبات، وعلى ضرورة إعادة الإعمار.
ولم تكن هذه الجوقة لتكتمل، لولا كلمة وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، الذي ألقى كلمة عبر الفيديو، ولم يتوان عن الحديث حول كيف ينعم القسم الأكبر من سورية بالأمن والاستقرار! والأهم أنّ وهبة كان مخلصاً لأدبيات التيار السياسي اللبناني الذي يمثله وأتى به إلى منصبه، فلم يخيّب الظن فيه، إذ سارع إلى تحميل اللاجئين السوريين (تصرّ الدولة اللبنانية على توصيفهم نازحين) مسؤولية ما قال إنها "مفاقمة الأعباء الاقتصادية على الدولة"، قبل أن يستكمل وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة رمزي المشرفية المهمة. ردّد الأخير النغمة نفسها، بحديثه عن أكلافٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، قدرها بأكثر من 40 مليار دولار لوجود اللاجئين، واتهمهم بالضغط على الخدمات العامة والموارد المدعومة والبنى التحتية وفرص العمل. ولم يأت الوزيران العتيدان، عمداً، على سيرة كم من الأموال تدفقت على لبنان بسبب اللاجئين أنفسهم.
تناسى من حضروا "المؤتمر"، وبشكل أدق تجاهلوا، الإجابة عن سؤالين: لماذا يفضل لاجئ سوري يعيش في خيمة، وفي ظروف لاإنسانية، البقاء في الأردن أو لبنان على العودة؟ ولماذا من يوجد اليوم في تركيا وألمانيا وغيرهما، أسقط من قاموسه، على الرغم من كل الظروف التي يمرّ بها، فكرة العودة إلى بلدٍ من يدخل إليه هو في حكم المفقود، والمعرّض في أي لحظةٍ للسوق إلى جبهات القتال أو للسجن والموت تحت التعذيب.
كان يمكن للنظام، ومعه موسكو وطهران، إطلاق تسمية أدق على تجمعهم توصّف حقيقة الغاية منه، والبعيدة كل البعد عن الإنسانية والاهتمام بشؤون اللاجئين. لو قالوا إن الهدف محاولة ابتزاز الدول الغربية للانخراط في إعادة الإعمار، والتوقف عن فرض العقوبات، لكان من الممكن تصديقهم. أما زجّ قضية اللاجئين فليس سوى كذب موصوف اعتادوا عليه.