ماذا لو فاز كلجدار أوغلو؟
دائماً ما تُرفع شعاراتٌ في مواسم الانتخابات غير قابلة للتطبيق. مُطلِق الشعارات يعرف ذلك، الجمهور أيضاً، والإعلام كذلك. ودائماً ما ينتهي مفعول هذه الشعارات ـ الوعود في اليوم التالي لإغلاق صناديق الانتخابات. في تركيا، أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشّح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، وعوداً عدة. الجزء الأكبر منها غير قابل للتنفيذ. لكن العواطف المشحونة خلال تلك المواسم تلغي دور التفكير الذي يسمح في القول: "مهلاً، إنها وعود لا يُمكن لها أن تبصر النور". وإذا كان خوض أردوغان معركته انطلاقاً من إرث كوّنه لعقدين، فإن كلجدار أوغلو، في محاولته الأخيرة للوصول إلى القصر الرئاسي، بدا وكأنه يتوهّم، ولا يحلم.
الوعد بإخراج اللاجئين من تركيا، السوريين خصوصاً، سمح ببث الرعب في قلوب عديدين منهم، وهذا حقّهم. الغضب في كل مكان، والعنصرية كذلك. الإعلام المؤيد لليمين المتشدّد، كعادته، متفلّت من خطوط حمراء. لكن ماذا لو فاز كلجدار أوغلو؟ ببداهة مطلقة، لن ينجح في تطبيق أي وعدٍ يتعلق باللاجئين، وبفترة قصيرة. لا يتعلق الأمر بصعوبات لوجستية فحسب، في ما لو قرّر ترحيلهم، بل إن وعده الآخر، المناقض لمفهوم طرد اللاجئين، يلغي وعده الأساس. أعلن كلجدار أوغلو أنه سيقترب أكثر من الغرب ومن حلف شمال الأطلسي. ولهذا المعسكر حساباتٌ عدّة في موضوع اللجوء مغايرة للتي أطلقها زعيم حزب الشعب الجمهوري. وأيضاً، لن تكون المعارضة التركية نقيضاً لأردوغان في التعامل مع روسيا، وإن اختلف التكتيك، فمن يطرح شعارات اقتصادية بسقوف عالية في تركيا يُدرك أن عليه الأخذ بالاعتبار الموقع الجيوبوليتيكي لتركيا، الرابط بين آسيا وأوروبا، ما يوجِب عليه بناء توازن مع دول الجوار، يسمح بتدفق مزيد من الاستثمارات إلى الداخل التركي من جهة، ويكرّس دور تركيا ركيزة جوهرية في هذه الرقعة الجغرافية من جهة أخرى.
لم يكن كلجدار أوغلو لينجح في سلوك درب التطرّف لو فاز. كانت الخلافات ستعصف بمعسكره الذي تشوبه التناقضات، سريعاً. للأكراد دور أساسي في المعسكر. وآخر ما يريده أكراد تركيا الضغط على أكراد سورية في موضوع اللاجئين. وأيضاً، فإن كلجدار أوغلو بالذات، الذي اصطف مع أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في أنقرة، في 15 يوليو/ تموز 2016، باسم الديمقراطية والاحتكام إلى الشعب، لن يسلخ جلده وينقلب إلى كنعان إيفرين آخر. لا تاريخه السياسي كان ليسمح بذلك، ولا طبيعة شخصيّته المتمحورة حول الإمساك بالعصا من الوسط، كانت ستفيده في أي محاولة لاستخدام الجيش.
كل ما كان سيحصل مع كلجدار أوغلو هو تفجّر الصراعات على السلطة، سواء داخل "الشعب الجمهوري"، أو مع الأحزاب الأخرى المعارضة. من تابع اجتماعات الطاولة السداسية للمعارضة في الأشهر الطويلة الماضية يفهم أن تجمّعهم بالكاد نجح، وأنه قبل أسابيع قليلة كان من المحتمل إطاحة كل التفاهمات، سواء بفعل تململ أحمد داود أوغلو أو انتفاضة ميرال أكشنر.
ديمقراطية تركيا، وإن لم تكن مثالية، إلا أنها تجاوزت معمودية نار طويلة ومرهقة كان لا بد منها. والفارق البسيط بين أردوغان وكلجدار أوغلو، واعتراف الخاسر بالنتيجة، مكتسبان سيُلقى الضوء عليهما في وقت ما من المستقبل القريب، بعد عودة الهدوء ومنطق التفكير.
لم يفز كلجدار أوغلو. بدأت الاستقالات الجماعية للشعب الجمهوري تتدحرج ككرة ثلج. المرحلة المقبلة، قبل الانتخابات المحلية المقرّرة في العام المقبل، تحتاج مراجعة من المعارضين، داخل كل حزب، وعلى مستوى التحالفات. في المقابل، لن يتأخّر أردوغان في بدء التمهيد لوريثٍ سياسيٍّ جديد، يُفترض أن يخوض رئاسيات 2028. الأكيد أن فوز أردوغان لن يُبعد تركيا عن إرث مؤسّسها مصطفى كمال أتاتورك، بل سيرسّخ اعترافاً متبادلاً من جميع مكوّناتها العقائدية، في سياق الحفاظ على دور تركي يبدو أكبر من "العدالة والتنمية" ومن "الشعب الجمهوري".