ماركيز والعرب ... في ذكرى رحيله
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
صباح ليلة رحيل غابرييل غارسيا ماركيز، كنت أتمشّى في سوق الخوض بمسقط، حين لاحظت عرضا باللغة الأوردية لثلاث صحف مختلفة، جميعها تضع صورة الكاتب الكولومبي الشهير على صفحاتها الأولى. يمكن أن نتذكّر كذلك كلمات النعي التي توالت يوم رحيله، وكان منها كلمات الرئيسين الأميركيين، بيل كلينتون وباراك أوباما. مما قاله كلينتون "تشرّفت بأن أكون صديقه، وتعرّفت على قلبه الكبير وعقله المتميز أكثر من 20 عاما". وعدّ عشرات الكتاب والسياسيين ماركيز أحد عبقريات الأدب في حياتهم.
حلّت قبل أيام قريبة الذكرى الثامنة لرحيل صاحب "مئة عام من العزلة"، (17 إبريل/ نيسان 2014)، "ساحر الكلمات" كما وصفته لجنة جائزة نوبل للآداب، أو المثقف العضوي كما توحي سيرته، خصوصا في ما يتعلق بوقوفه إلى جانب قضايا الشعوب المقهورة ومن أهمها القضية الفلسطينية؛ وهو الذي نشر بيانا عن مجزرة صبرا وشاتيلا، وتكرّر الأمر في العام 2002، حين اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، فأصدر بيانا ناريا. ونتذكّر عبارته الداعية إلى منح شارون جائرة نوبل في القتل.
هناك مستوى آخر يمكن الحديث عنه في إطار العلاقة بالعرب، وهو تشرّب ماركيز كتاب "ألف ليلة وليلة"، الذي له كبير الأثر على الآداب الأوروبية، ما إن ترجمه أول مرة أنطوان غالان إلى الفرنسية بداية القرن الثامن عشر. ويطول الشرح في استعراض تأثير كتاب "الليالي العربية" على أجيال بأكملها من الكتاب الأوروبيين ويمكن القول، بقليل من الحذر، إن ماركيز مدين لـ"ألف ليلة وليلة" في تعميق واقعيته السحرية. فلا يمكن ذكر تيار الواقعية السحرية الذي عرف به كتّاب أميركا اللاتينية من دون الانطلاق من تحفة ماركيز "مائة عام من العزلة" التي طبقت شهرتها الآفاق. نجد هذا التأثّر بداية من القصة الإطار التي عرفت بها الليالي، حيث نلاحظ في تحفة ماركيز حياة الجدّ في عائلة أوريليانو بوينديا، الذي تعود إليه الرواية في كل مرّة، ونراه مسيطرا على الحكي، كما هو الحال عند شهريار، سواء عادت إليه الرواية مباشرة أم من خلال تكرار اسمه بين أسماء أحفاده، وكأنه موجود بشكل ما حتى وهو تحت الثرى. كذلك هناك التوالد الحكائي الذي يتميّز به كتاب "الليالي العربية"، حيث تولد كل حكاية من رحم الأخرى في إطار البنية الانشطارية، نجد أمرًا قريبًا من ذلك في "مئة عام من العزلة". أكثر من ذلك، نجد في صفحات الرواية، وخصوصا في ما يتعلق بحياة الغجر أن بعضهم يطير في "بساط الريح"، ويأتي بعضهم بخوارق عجيبة تذكّرنا بكتاب "الليالي .."، حيث إن الخيال يستلم زمام المبادرة إثر كل انطلاق من الواقع الحي في الكتابين. كما أن لعبة الإيهام (بالواقع وبضده) السمة الغالبة على العملين.
وبالانتقال من القرائن النسقية الضمنية إلى المباشرة، نجد، مع تقدّم القراءة، ومن خلال وصفه أحد الأحفاد وكان في سن صغيرة، أنه يدخل إلى مكتبة والده السرّية ويأخذ كتابًا قديمًا، وحين يقلّبه يُصاب بالدهشة. هذا الكتاب لم يعلن ماركيز في الرواية عن اسمه (وإلا كان سيفضح أسرار اللعبة الخفية)، ولكنه أعلن عنه في مكان آخر في ما يشبه لحظة اعتراف نبيلة من الكاتب الكبير، وذلك في مذكّراته التي حملت عنوان "عشت لأروي" حين قال: "تعلمت من ألف ليلة وليلة ما لن أنساه أبدا". حيث يسرد إنه في عمر صغير (سنكتشف أنه العمر نفسه الذي رمز به في الرواية) قرأ الكتاب وتعجّب منه. نجد شخصية عربية كذلك في روايته العبقرية القصيرة "قصة موت معلن"، والمقصود هنا البطل الرئيس للقصة سانتياغو نصّار ووالده إبراهيم نصّار ذو الأصول السورية، كما أشار السارد إلى ذلك في تعريفه.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية