متى تتوقّف الحرب على غزّة؟
لا يبدو أن قرار مجلس الأمن رقم 2728 الذي سمحت الولايات المتحدة بتمريره مساء الاثنين، رغم معارضة إسرائيل، سوف يكون له تأثير يذكر على العدوان الإسرائيلي المستمرّ على غزّة منذ قرابة ستة أشهر. على العكس، يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يتعرّض لضغوط خارجية متزايدة لإعادة النظر في مقاربته للحرب على غزّة، أن يصعد أكثر لتحقيق مكاسب سياسية من خلال الظهور بمظهر القائد الذي لا يلين أمام الضغوط، خدمة لمصالح إسرائيل، وهو لذلك يعد بأن تستمرّ الحرب حتى تحقيق أهدافها. هذا يعني، وفق هذا المنطق، أن أفق الحرب يبدو مفتوحاً، لأن الأهداف التي وضعتها إسرائيل نصب عينيها لا تبدو، من جهة، قريبة التحقّق، إذ تهدف إلى القضاء على حركة حماس (المقصود قوتها العسكرية)، وبالتالي إسقاط حكمها في غزّة (تغيير النظام) وإطلاق سراح المحتجزين من دون الاضطرار إلى دفع أثمان كبيرة تمكّن "حماس" من انتزاع إنجاز سياسي، ولو في أدنى حد.
من ناحية ثانية، وأخذاً في الاعتبار "الصدمة والرعب" اللتين اتسمت بهما عملية طوفان الأقصى وما ترتب عليها من نتائج مزلزلة بالنسبة لإسرائيل، كان واضحاً، منذ البداية، أن المؤسّسة الاسرائيلية الحاكمة (الجيش، والأمن، والمستوى السياسي) متفقة على أن الحرب لن تتوقّف قبل أن تتمكّن إسرائيل من إعادة الاعتبار لقوة الردع التي تمثل الركن الأساس في أمنها ووجودها. استعادة قوة الردع الإسرائيلية تبقى، هي الأخرى، بعيدة المنال، رغم القدرات التدميرية الهائلة التي تستخدمها إسرائيل منذ 7 أكتوبر لمعاقبة أهل غزّة، و"جعلهم عبرة"، فإسرائيل ما زالت بعد ستة أشهر غير قادرة على بسط سيطرتها على مناطق في غزّة اجتاحتها مرّات عدّة، وما زالت تتلقّى كل يوم مفاجآت جديدة ابتداء من شبكة الأنفاق المعقّدة التي بنتها "حماس"، إلى المستوى القتالي الذي يتمتع به كوادر الحركة ومقاتليها، إلى مقدار العمى الاستخباراتي والمعلوماتي الإسرائيلي بشأنها، إلى مدى اختراق "حماس" للمنظومة الأمنية الإسرائيلية نفسها. رغم ذلك، قد تضطرّ إسرائيل إلى وقف الحرب، حتى لو لم تحقق كل أهدافها، فالسياسة (والحرب إحدى أدواتها) هي، في نهاية المطاف، فن الممكن، فقد اضطرّت الولايات المتحدة، مثلاً، إلى الخروج من فيتنام وترك الشيوعيين يسيطرون عليها، واضطرّت لمغادرة أفغانستان بطريقة فوضوية أيضاً وترك "طالبان" تستعيد السيطرة عليها، في حين اضطرّت إسرائيل نفسها إلى الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000 وترك المنطقة لحزب الله، وانسحبت من غزّة عام 2005، حيث جاءت "حماس" إلى الحكم فيها في العام التالي.
هذا لا يعني أن إسرائيل ستفعل الشيء نفسه حتماً هذه المرّة في غزّة، أو أن الظروف اليوم تشبه ما كان عليه الحال عام 2005 في غزّة، أو عام 2000 في لبنان، لكن احتمال أن توقف إسرائيل حربها من دون تحقيق كل أهدافها يزداد إذا تضافرت جملة عوامل مرتبطة بعضها ببعض هي: انقسام النخب الإسرائيلية وتصدّع الإجماع على الجدوى من استمرار الحرب.
حتى الآن تبدو النخب الإسرائيلية (السياسية والأمنية والعسكرية والثقافية والإعلامية) مجمعة على الحرب وأهدافها، لكن هذا الإجماع أخذ يضعف أخيراً بسبب الاعتقاد بأن سياسات نتنياهو باتت مكلفة لإسرائيل، تتسبّب في تدمير صورتها وفي عزلة دولية لها، وأضرار بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. إذا حصل انقسام بين النخب سوف تبدأ حرب تسريبات فيما بينها، ما يعطي هامشاً أكبر لوسائل الإعلام لانتقاد سياسات الحكومة، لينعكس ذلك بدوره على الرأي العام الذي يبدأ بالتشكيك في جدوى استمرار الحرب، خاصة إذا بدأت حياته تتأثر بها نتيجة خسائر بشرية أو اقتصادية كبيرة، أو الإحساس بأن العلاقة مع واشنطن ليست على ما يرام. وليس من قبيل المبالغة القول إن الرأي العام الإسرائيلي هو العامل الحاسم في استمرار الحرب أو توقفها، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر عندما قال: "ليس لدى إسرائيل سياسة خارجية، بل سياسة محلية فقط". وهذا ما يدركه نتنياهو أيضاً، ذلك أن الرأي العام الإسرائيلي يمكن أن يبقيه في الحكم أو يأخذه إلى السجن، كما يمكنه أن يوقف الحرب.