محاذير الانتخابات الرئاسية في ليبيا
أخيرا، تم الإعلان عن غلق باب الترشّح إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولتستقر القائمة الأولية للمترشحين على 98 مرشحا، تم البتّ في عدم أهلية 25 منهم للترشح، أحدهم سيف الإسلام القذافي، قبل إعلان القائمة النهائية لمن يحقّ لهم خوض السباق الانتخابي. وبغض النظر عن أسماء المرشّحين، يظل السؤال الأهم لمتابعي المشهد الليبي: هل يمكن لهذه الانتخابات الرئاسية، وفي ظل الملابسات الحالية، أن تمثل حلاّ للأزمة الليبية، وسبيلا للخروج من حالة الحرب إلى الاستقرار الذي يتمنّاه الليبيون؟
المتمعن في قائمة المترشحين للانتخابات سيجد نفسه أمام أسماء لشخصيات لم يعرف عنها يوما أنها تؤمن بالديمقراطية أو التداول السلمي على السلطة، فخليفة حفتر اقترن اسمه بالانقلابات المتتالية وقيادة مليشيات دموية عنيفة، وثمّة شخصيات سياسية غير توافقية مثل عقيلة صالح، بالإضافة إلى قيادات أخرى لمعت أسماؤها في أثناء النزاع المسلح بين مناطق ليبيا المختلفة. وهذا لا ينفي وجود أسماء لمرشّحين من خارج سياق المليشيات، مثل رئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالي، عبد الحميد الدبيبة، إلا أن هذا كله لا يعني أن السياق الانتخابي الذي تصرّ القوى الدولية النافذة على إتمامه في موعده لا يتضمن، في ذاته، عوائق وألغاما متفجّرة على الطريق قد تعيد المشهد الليبي إلى الوراء، إذا لم يُحسِن الجميع التعامل معها.
في ظل عقلية المغالبة ونفي الآخر ربما يصبح القبول بنتائج الانتخابات مشكلة جديدة، تُضاف إلى قائمة المشكلات التي تعانيها ليبيا
من خلال خريطة مواقع النفوذ، سيكون من السهل ملاحظة النزاع الذي سينشأ بين أتباع سيف الإسلام القذافي، وإن تم استبعاده، ومليشيات حفتر في مناطق الشرق والجنوب. وإذا أضفنا المرشح عقيلة صالح فسيكون ربما الحلقة الأضعف ضمن مناطق الشرق الليبي. في المقابل، ستكون مناطق الغرب الليبي مسرحا لصراع انتخابي قوي بين فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة ووجوه أخرى أقل حظا في ظل القائمة الواسعة للمترشّحين.
على الرغم من معارضة بعضهم للقانون الانتخابي الحالي، وسعيهم إلى تأجيل الانتخابات، إلا أن الأكيد أن الانتخابات ستجرى في موعدها، ووفقا للقوانين غير المتوافق عليها. وإذا سارت الأمور نحو صعود أحد زعماء المليشيات، فقد تجد ليبيا نفسها أمام أزمةٍ أشد تعقيدا مما هي عليه الآن. ذلك أن بعض الجهات الدولية التي سوّقت فكرة أن الحل يكمن في تنظيم الانتخابات لا يخفي دعمه المعلن شخصيات سلطوية لا تؤمن بالديمقراطية، فالدعم الروسي لسيف القذافي أو الدعم الذي يجده خليفة حفتر من قوى إقليمية لا يمكن أن يكون دافعه الإيمان بالتعدّدية أو التفكير ببناء نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد.
لا يمكن إنكار حقيقية أن الانتخابات هي الآلية الأمثل لاختيار من يحكم بلدا ما، ولكنها ليست هي الديمقراطية، بل ينبغي أن تتوفر عوامل وأدوات مساعدة لكي تتحوّل الانتخابات إلى جزء من نظام ديمقراطي حقيقي. ولنا في التاريخ أكثر من نموذج عن شخصياتٍ وصلت إلى السلطة عبر الانتخابات الحرّة، ولكنها انقلبت على المسار الديمقراطي، فما بالك بشخصياتٍ تعلن منذ الآن عن نزعات شمولية، وتبشّر بعودة نظام الاستبداد، وهو ما يعني بالتأكيد عدم استقرار البلاد، لأن ليبيا الحالية لم يعد ممكنا حكمها على طريقة معمر القذافي، وليس من الممكن إلغاء التنوع السياسي والإيديولوجي، بالإضافة إلى التنوع القبلي والإثني الموجود فيها.
ليست مشكلة ليبيا في مجرد اختيار شخص لرئاسة الدولة عبر الانتخابات، وإنما في غياب روح الثقافة الديمقراطية
ليست مشكلة ليبيا في مجرد اختيار شخص لرئاسة الدولة عبر الانتخابات، وإنما في غياب روح الثقافة الديمقراطية، لأن من الأكيد أن الوجوه السياسية ذاتها التي صنعت الأزمة ستصعد إلى المرحلة المقبلة بالعقلية والفشل نفسيهما في إدارة المرحلة السابقة. وفي ظل عقلية المغالبة ونفي الآخر ربما يصبح القبول بنتائج الانتخابات مشكلة جديدة، تُضاف إلى قائمة المشكلات التي تعانيها ليبيا.
شرط نجاح أي عملية انتخابية واعتبارها مدخلا للحل يستلزم، قبل كل شي، قبول النخب الرئيسية لشرعية الديمقراطية، والاعتقاد بأن الأسلوب الديمقراطي للوصول إلى الحكم هو الخيار الوحيد، وأنه لا توجد خيارات أخرى، بمعنى عدم وجود احتمال لجوء أحد الأطراف المشاركة في العملية السياسية إلى استخدام أساليب للتعامل مع الفاعلين الآخرين، أو للوصول إلى السلطة من غير الطريق الديمقراطي وخارج المؤسسات الشرعية. ولا يتوفر هذا الشرط بشكل حاسم في المشهد الليبي الحالي، وهو ما يعني أن الانتخابات وحدها لا تكفي، وإنما ينبغي أن يلتزم الطرف الفائز بتحقيق التوافقات الضرورية، وأن يظل الوضع تحت الرقابة إلى حين استكمال المؤسسات الضرورية لإدارة البلاد، وهو ما يبدو أمرا في حكم المجهول، على الأقل في المرحلة الراهنة.