محاولة صهيونية لمصادرة صوت نساء إيران
أعلن معهد واشنطن للشرق الأدنى، وهو معقل الصهيونية الأهم في واشنطن، عن تكريم مسيح "معصومة" علي نجاد، وهي صحافية إيرانية - أميركية، يحاول الإعلام الأميركي والمؤسسة الأميركية فرضها لتبدو صوت النساء الإيرانيات، والآن جاء دور اللوبي الصهيوني لمصادرة صوت الإيرانيين والإيرانيات معا.
صحيحٌ أن التركيز في الغرب يتمحور على احتجاجات المرأة الإيرانية، لكن ما يجري في واشنطن يهدف إلى تصنيع قياداتٍ معارضةٍ تكون مواليةً لها في حال ثار الشعب الإيراني، أو أدوات تدخّل غربي في إيران. ومسيح نجاد، التي سبق أن حذّرَت منها الزميلة ليال حدّاد في "العربي الجديد" (4/10/2022)، هي من الأبواق الجاهزة، بل تبدو أكثر من راغبةٍ في لعب هذا الدور.
للتعريف، انبثق معهد واشنطن عن اللوبي الصهيوني رسميا، لكنه أصبح المعهد "الفكري"، ومن أهم مصادر الإعلام للتحليل "الموضوعي عن قضايا المنطقة"، بل ويرفد الإدارات بالخبراء والمسؤولين. وليس احتفاؤه بمسيح نجاد عشوائيا، وإنما مدروس، ليس لمقدرتها في قيادة إيران، بل لترسيمها صوتا للمعارضة في الإعلام الغربي وقاعات الكونغرس. وهي تعمل في "صوت أميركا"، ومعروفة بتأييدها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وسياسته العنصرية، لكن ذلك لم يمنع الصحافة "الليبرالية" الغربية، من الغارديان إلى النيويورك تايمز والواشنطن بوست مرورا بالوول ستريت جورنال، من فتح صفحاتها لها، وترويجها صوتا "من إيران".
صور نجاد مع فرح ديبا أرملة الشاه الراحل محمد رضا بهلوي وابنه وحفيده عناوين محاولة يائسة لعودة أتباع عائلة الشاه السابق الموالي لأميركا والحليف الأهم لإسرائيل، قبل أن تسقطه الثورة الإيرانية عام 1979، فما تزال هذه النخب التي عاشت في رفاهٍ وبذخ، فيما عانى الإيرانيون من الفقر وانتشار الأمية، تعتقد أن إيران ملكية خاصة لها، فيما تعمل مراكز، مثل معهد واشنطن، على تلميعها، بل تقديمها بمرتبة زعماء الدول، إذ يقدّم الوسام الذي أعلنه المعهد عادة لرؤساء وملوك وكبار المسؤولين.
تدخّل المنظمات الغربية بالانتفاضات، ولا أقول صناعتها أو افتعالها، أصبح مكشوفا
لا يبرّر كل ما تقدّم لنظام الملالي قمعه الشعب الإيراني، بل خذلان هذا الشعب وكل من أيّد الثورة ضد الشاه، وكل شهدائها من شتّى الأطياف السياسية. ولا ينتقص ما جاء أعلاه من حق الشعب الإيراني في المطالبة بحقوقه، بل الانتفاضة ضد أحكام ولاية الفقيه، وكبت الحريات، لكن الحالة التي بين أيدينا نموذجٌ في استغلال مظلومية الشعوب وتصنيع قياداتٍ على مقاس السياسة الغربية، ودخول إسرائيل وأنصارها في اللعبة نفسها، بشكل مكشوفٍ كما دلّ عليه الإعلان عن تكريم مسيح علي نجاد.
تتكرّر القصة مع كل ثورة أو انتفاضة في العالم. ومعهد واشنطن لم "يكرّم" أي ناشط عربي، واكتفى بتكريم المسؤولين. وهذا مؤشّر إيجابي على أن المعهد، ومعاهد مماثلة في أميركا، ما تزال تخشى تأثير القضية الفلسطينية، والتضامن القوي حتى مع من يرضى بالعمل معها، ولكن يجب ألا نقلل من اختراق المؤسسات الرسمية الأميركية، وجماعات الضغط الصهيونية لحركات التغيير العربية، وهذه ليست تهمةً لحركات التغيير، وإنما قراءة واقعية لما تقوم به واشنطن والمراكز الغربية. وهنا أريد التنبيه والتحذير من المراكز البحثية التي تَدّعي البحث، مثل معهد الدفاع عن الديمقراطية، التي استقطبت أفرادا من عائلاتٍ حاكمة خلال العقدين الأخيرين، وبخاصة، وليس حصرا، من الإمارات، وممن نراهم مسؤولين حاليا أو مسؤولين لاحقين، بل إنها خرقت حركات وأحزابا معارضة رخوة في معظم البلدان العربية.
الفرق بين الوضع في إيران والدول العربية أن عملية الاستقطاب في الدول العربية، وبخاصة من حلفاء واشنطن، قلما تنتج نماذج بفجاجة مسيح علي نجاد، لأن هذه المراكز لا ترى فيهم بدائل حالية لأنظمة عربية حليفة لواشنطن، ولكنهم موجودون إذا لزم الأمر، إلا أن نماذج أبواق أميركا الفجّة تفقد مصداقيتها في حال مجاهرتها بتأييد إسرائيل، وإنْ كانت واشنطن تعمل، من خلال التمويل، ومعهد واشنطن وغيره، على توسيع التطبيع العربي مع إسرائيل، ونقله من تطبيع بين دول إلى تطبيع بين الشعوب، وحين تصل إلى درجة من النجاح ستطلق نماذج وأبواقا لها على الملأ.
معارضة فرض الحجاب في إيران وتأييد انتفاضة النساء لا يبرّران لعب واشنطن وإسرائيل بمصير الشعوب
هنا لا أتحدّث عن جديد، فتدخّل المنظمات الغربية بالانتفاضات، ولا أقول صناعتها أو افتعالها، أصبح مكشوفا، فخلال الاحتجاجات في الشوارع العربية عملت على خرق حركات وقيادات شابة، ليس بالضرورة كأدوات، وإنما كمصادر معلومات. وليس سرّا أن مثقفين ونشطاء عرب يعملون، وبعضهم يقدّمون ما لديهم بناء على اعتقاد خاطئ بأنهم يعرضون مظالمهم على جهة بحثية مؤثرة، أو لقلة وعي. والأخطر؛ لتشبيك مصالح شخصية، ففشل الانتفاضات العربية وتوظيف قيادات انتهازية لها أسّسا لحالة يأس وتشويه للوعي، وأحيانا بسقوط أخلاقي ووطني. ويجب الإقرار هنا أن قمع الأنظمة وانتشار البطالة والفقر يدفعان الشباب إلى أيّ فرصة عمل، أو إلى التخلي عن أحلام التغيير، أو لوهم أن أميركا "تصنع التغيير"، لكن النتيجة أن هناك من يعمل، وليس بالضرورة بالخفاء، على تغيير الوعي، وهناك من هم/ ومن هنّ مثل مسيح علي نجاد، لم تتح لهم فرصتها.
واشنطن وإسرائيل منهمكتان بترويج أدواتهما التي نرى أسماءها متداولة في الصحافة الإسرائيلية، رموزا للحرية وأبطالا لها في إيران، لكن ذلك لا يعني أن التغيير بأدوات أميركية في إيران قد أصبح وشيكا، لكن هناك أسماء يتم تصنيعها لرموز سياسية وإعلامية، تجهيزا لأي تحرّك مستقبلي ولمنع ظهور رموز حقيقية، إذ غير مسموح أن تكون هناك رموز حقيقية مستقلة عن الأجندة الأميركية.
قادت وكالة الاستخبارات الأميركية، في 1953، انقلابا دمويا ضد حكومة محمد مصدق المنتخبة، وأعادت الشاه الذي ثار عليه الشعب الإيراني إلى الحكم. قد يجادل أحدهم أنه كان وضعا أفضل من الحاضر، لكن الحجاب ليس المؤشّر الوحيد لتقييم الوضع الإيراني، فمع الاعتراف بقمع النظام الحالي الشعب الإيراني، يجب التذكير بأن نسبة الأمية قبل الثورة بلغت 69% بينما وصل عدد المتعلمين إلى 86% عام 2016، لكن الغرب لم يهتم بالنساء حينها، في نفاقٍ بشع يخدم السياسات الأميركية لا غير.
معارضة فرض الحجاب في إيران وتأييد انتفاضة النساء لا يبرّران لعب واشنطن وإسرائيل بمصير الشعوب. .. ونموذج مسيح علي نجاد قد يتزايد، وسوف نرى أكثر من نموذج مماثل بين نساء ورجال من مختلف الجنسيات، وهناك من يسعى إلى مثل هذه "النجومية"، وهناك من سيصدّقها، لكنّ واجب الإعلام كشف زيفها، وإلا أصبحنا جميعا، بقصد أو بغيره، أدوات لتزييف الوعي وتشويهه ونشر اليأس والاستسلام.