مرحباً بكم في لبنان
فلاشات صغيرة تأتي من الذاكرة البعيدة، تستحضر إحداها عبارة "مع ... مش ممكن تغمص عينيك". يمكن ملء تلك النقاط الثلاث للكلمة المفقودة بعبارة ساسة لبنان. تحمل يوميات هذا البلد فائضاً من الأحداث/ التطورات المضحكة المبكية. تبدو كإيقاع موسيقي متفلت. نغمات عالية وأخرى منخفضة. بعضها سريع وبعضها الآخر بطيء، لكنها، في الأخير، تشكّل مجتمعة، وبدون أن تتناغم بالضرورة، ذلك المزيج الذي يصنع ما نعيشه نحن ضمن حياة ملؤها البؤس والجنون. قد يبدو هذا التوصيف الوحيد القادر على تجسيد الواقع ومحاولة تفهمه أو التأقلم معه.
يخبرنا وزير الثقافة محمد المرتضى بأنه أوصى بمنع فيلم "باربي"، لأنه يتعارض مع القيم الأخلاقية. نصّب الوزير نفسه وصياً على أخلاق اللبنانيين عبر شاشات السينما حصراً. يبدو أن الوزير العتيد لم يسمع يوماً بالقرصنة التي تتيح تحميل أي فيلم بما في ذلك "باربي" الذي قال لنا إنه شاهده، ويريد حرمان الآخرين من الحق نفسه، أو بمنصّات البث مثل "نتفليكس"، حيث لا وصي ولا من يحزنون. وحدَه المشاهد من يملك الحق في تحديد ما يريد أن يشاهده أو يمتنع عنه بما يتماشى مع قناعته أو حتى ذوقه الفني، كأن يقرّر، مثلاً، أن لا يكمل "باربي" عندما يبدأ بمشاهدته لاعتباره مثلاً أن الفيلم ممل وتافه ... وتلك أسبابٌ قد تبدو أكثر إقناعاً من تبريرات الوزير بشأن "باربي".
وإذا كان سجال "باربي" غير كاف، فإن النائب إلياس جرادة تكفل بتأمين المشهد الثاني من مسرحية العبث في لبنان. تقدّم بمشروع قانون "يرمي إلى تنظيم إقامة السوريين في لبنان"، لكن هذا المشروع، في الحقيقة وبحسب بنوده ومسوغاته، يكشف عن سردية خاطئة يتبنّاها النائب الذي يعدّ في خانة التغييرين.
يُخبرنا جرادة إن من مبرّرات المشروع إصدار البرلمان الأوروبي "توصيةً دعا فيها السلطات اللبنانية إلى إبقاء اللاجئين السوريين على أراضي الدولة اللبنانية بحجّة استمرار الحرب السورية والخطر على حياتهم في بلادهم". لكن العودة إلى القرار نفسه المنشور كاملاً بالعربية في موقع "لبنان الكبير" تبيّن أنه لا يتعلق باللاجئين السوريين في لبنان حصراً بل يشمل 15 بنداً يتعلق معظمها بالوضع اللبناني، باستثناء البند 13 الذي لا يتحدّث عن توطين اللاجئين، بل يتطرق إلى "عدم تلبية الشروط للعودة الطوعية والكريمة للاجئين في المناطق المعرضة للصراع في سورية...". كما يدعو مفوضية شؤون اللاجئين "إلى العمل على تحسين الوضع الإنساني في سورية من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين. يشدّد على أن عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة، وفقا للمعايير الدولية. يدعو إلى استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للسكان اللبنانيين واللاجئين، مع ضوابط صارمة...".
لكن جرادة لم يكتف بهذا التضليل، بل لم يتوان عن ترديد لازمة أن "وجود السوريين باب رزق للكثيرين من طالبي اللجوء الذين باتوا يعتمدون على إنجاب الأطفال لرفع قيمة المساعدات التي يقبضونها من المفوضية والدول المانحة وذلك تبعاً لتحديد مبلغ معين عن كل مولود وهو ما يشكل تغييراً ديمغرافياً على تركيبة المجتمع اللبناني...".
يريد النائب اللبناني أن يقنعنا بأن بضع عشرات من الدولارات تحفّز اللاجئين على البقاء في لبنان والإنجاب وتغيير تركيبة البلد ديمغرافياً. وإذا كان ذلك كله غير كافٍ، فإنه تبرّع أيضاً ليخبرنا بأن وجود اللاجئين السوريين "قد ساهم في ارتفاع مستوى الجريمة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل وجود اللاجئين السوريين وفقاً للتقارير الأمنية التي صدرت، في حين تؤكد هذه التقارير امتلاك عدد كبير من اللاجئين لأسلحة حربية تشكّل خطراً على السلم الأهلي وتأليف بعضهم لجماعات إرهابية مسلحة تهدد الأمن الوطني"، من دون أن يشير إلى تقرير أمني ولو واحد يتضمّن إحصاءات تدعم مزاعمه، لكنه يعتبر نفسه معفياً من أي مسؤولية عن كلامه/ تحريضه، طالما أنه يمتهن السياسة في لبنان.