مرزوق الغانم .. حمد المزروعي
المعهود عن مشاركات الوفود العربية في اجتماعاتٍ في هذا البلد وذاك أنها مناسباتٌ للترويح عن النفس والتبضّع والسياحة، فضلاً عن تلقّي المياومات وبدلات السفر. وبالكاد، تُصادِف أنّ وفداً رسمياً عربياً في هذا الملتقى أو ذاك الجمع في هذه العاصمة الأوروبية أو تلك الآسيوية أو الأفريقية بذل جهداً محموداً في إسناد قضيةٍ عربيةٍ أو شأنٍ قومي. أما رئيس مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، مرزوق الغانم (54 عاماً) فإنّه يكسر هذا المألوف، بل ويجعلنا، نحن الجمهور العربي العام، نعتاد منه حضوراً فريداً، في المناسبات الدولية التي يمثّل فيها برلمان بلاده، لا يستحقّ الثناء وعظيم التقدير وحسب، بل أيضاً الاقتداء بما يصنَع، وهو الذي صار صوتاً مزعجاً جداً للصهاينة الذين يمثلون دولة الاحتلال في غير مؤتمر ومنتدى عالمي. ولمّا زيد وعيدَ كثيراً في وسائط ومنابر إعلامية عربية، أخيرا، عن النفاق الغربي في ممالأة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، بالتوازي مع مناوأة الغزو الروسي لأوكرانيا واستهداف موسكو بعقوباتٍ لا تتوقف، فإنّ مرزوق الغانم يواجِه بهذه الحقيقة من يستحقّ أن يسمَعها، فقد استهجن، أول من أمس، في اجتماعٍ تنسيقيٍّ على هامش مؤتمرٍ للاتحاد في إندونيسيا، مطالباتٍ بطرد روسيا من الاتحاد بسبب غزوٍ حدثٍ قبل أيام ولا تُطرَد إسرائيل التي غزت فلسطين قبل أكثر من 60 عاماً. ومع تأكيده رفض الاحتلال بالمطلق، وتأشيرِه إلى أنّ بلده جرّب الاحتلال قبل أكثر من 30 عاماً، قال: "علينا، في الوقت ذاته، التأكيد على رفضنا مبدأ الكيل بمكيالين". وكلامٌ بكلّ هذا الصواب وهذه الوجاهة من شديد اللزوم أن يصدَعَ به كلّ مسؤولٍ عربي في كلّ لقاءٍ يجمعه مع كلّ مسؤول غربي. وفي البال أنّ مرزوق الغانم، الذي جدّد له زملاؤه رئاسة برلمان بلاده للمرّة الثالثة قبل أزيد من عام، كان قد طالب، في كلمةٍ له، في اجتماعٍ (افتراضي) للاتحاد البرلماني العربي، في مايو/ أيار الماضي، بتشكيل وفدٍ من الاتحاد للقاءاتٍ مع رئاسة الاتحاد البرلماني الدولي ورؤساء المجاميع فيه "لبحث سبلٍ تتعلّق بممارسات الاحتلال الإسرائيلي". ولم يكن متوقّعاً أن يتلقّف مستمعوه دعوةً كهذه، بالنظر إلى ما نعرف من بؤس "العمل العربي المشترك" إياه.
هذه سانحةُ (!) غزو أوكرانيا مناسبةٌ للجهر بما أسمَعه في إندونيسيا مرزوق الغانم للجمْع البرلماني الدولي، على أن استمرار المحتلين الصهاينة بارتكاب ما يرتكبون كان دافعَه في مرافعته الاستثنائية أمام الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي (150 بلدا) في جنيف، في أكتوبر/ تشرين الثاني 2018، وقال فيها إن مقابل كل مأتمٍ فلسطيني عشرة أعراس، ومقابل كل طلقة رصاصٍ ألفُ صرخةٍ وأغنيةٍ وقصيدةٍ وحكايةٍ ولافتة، وقد أغضبت الكلمة الوفد الإسرائيلي المشارك، وجعلته ينسحب من الجلسة، كما فعل قبل عام من هذه المواجهة وفدٌ مثيلٌ في سانت بطرسبرغ الروسية، في اجتماعٍ للاتحاد الدولي نفسه، بعد صيحة مرزوق الغانم موجّها له الخطاب تطالبه بالمغادرة "إن كان لديك ذرّة من الكرامة"، ونعته بقاتل الأطفال، فغادر الوفد مخزياً وسط عاصفةٍ من تصفيقٍ حاشد. ولم يكن الرجل الغانم (في وصفٍ مستحقٍّ له) يخطب شعاراتٍ، ولا يتوسّل شعبويةً عابرةً، وإنّما أدّى ما يحسُن أن يؤدّيه رجلٌ محترم، برلمانيٌّ منتخب، يمثل شعب بلاده وأمته، فلم يلجأ إلى اللفلفة، وإنّما فعل تسمية الأشياء بأسمائها. تماما كما رميُه وثيقة ترامب نتنياهو (صفقة القرن) في سلّة القمامة في اجتماع للاتحاد البرلماني العربي في عمّان.
يجدر هنا اعتذارٌ لقارئ هذه السطور، بسبب اسمٍ في عنوانها لا يستحقّ غير الازدراء، يجاور اسم مرزوق الغانم، ولكن ما يشفع لهذا أنّ حمد المزروعي نموذجٌ لقليلين صغيرين لا يليق بهم سوى الاحتقار، في بلده الإمارات وعموم دول الخليج، هم الشواذّ في الأمة، وفي أهل الخليج المبارَكين المنتسبين لأمتهم والمتعلقين بفلسطين. يزور المذكور، وهو يشتغل في الصحافة وقريبٌ من أوساط الحكم في أبوظبي، مستوطنةً في فلسطين المحتلة، ويتغنّى بهذا، مغرّداً: "كم جميلاً أن تكون في أرض إسرائيل"، ويزور حيفا، ويعدّها "عروس إسرائيل". ومع أنّ سخافاتٍ كهذه تستحق النبذ والإهمال، إلّا أنّ من بالِغ الضرورة التنويه لمن لا يعلم ومن لا يريد أن يعلم بأنّ شعوب عموم دول الخليج عربيةٌ عروبيةٌ تعتنق عداء إسرائيل، وشبابُها يرمون السخافات التي يرتكبها المزروعي وقلائل من طينته كما الرذائل، ويمحضون مرزوق الغانم جلالا يجدُر به، وهو الذي ينطقُ بما في حشاياهم وأفئدتهم وعقولهم.