معانٍ أولى و"كسر عظم"
بترحيبٍ أميركي، وموافقةٍ إسرائيلية، وغطاء عربي، وبطلب من شرعية لبنانية، دخلت قوات سورية لبنان في 1976، بذريعة إنهاء حرب أهلية هناك. وتغطى إرسال جمال عبد الناصر 70 ألف جندي مصري إلى اليمن، في 1962، بطلب فريق في البلاد، وكان انتصاراً له على فريق آخر، ولحسابات إقليمية بلغت في حينها "كسر العظم" مع السعودية. لتينك الواقعتين، وكذا للمشاركة العربية في حرب تحرير الكويت في 1990، تفاصيل خاصة لكل منها، تمايزها عن غيرها، غير أنها كلها خلّفت وقائع انعطفت فيها هذه البلدان، لبنان واليمن والعراق، إلى حقائق أخرى، أي إلى مسار أخذ كل بلد، ومعه الإقليم أحياناً، إلى منعرجاتٍ، قد نختلف في تقييم الإيجابي والسلبي فيها، إلا أنها صنعت مشهداً جديداً، نوعياً بالضرورة.
معلومةٌ كل المعطيات التي سبقت حملة "عاصفة الحزم"، السعودية، بإسنادها الخليجي الجوهري، وغطائها العربي الواضح، والدعم الأميركي والدولي لها، لوجستياً وسياسياً. لكن، من المبكر تحسس معالم ما سيعقبها من مستجدات ستطرأ، في اليمن وجواره، وفي الإقليم والمنطقة، ومن الحكمة عدم "التنجيم" بشأنها، غير أن الأساسي والمؤكد أن جديداً بالغ الأهمية سيحدث، عنوانه وموجزه أن الاطمئنان الإيراني لافتتاحيات الجرائد العربية والتهديدات اللفظية الرسمية، السعودية خصوصاً، والخليجية عموماً، لن يبقى على دعتِه وهناءة البال التي يقيم فيها. ما لا يعني، بداهةً، أن العرب في وارد رفع لواء الحرب ضد إيران، بل هي نقطةُ نظام متأخرة، فرضت نفسها، واستدعتها الزعرنة الحوثية، المرتبطة بالنزوع الإمبراطوري الإيراني، وهوى علي يونسي وقاسم سليماني وأترابهما بعدّ العواصم العربية التي ينبغي أن تلتحق تباعاً بمصلحة تشخيص النظام في طهران.
ومع الأكلاف المدنية والعسكرية الباهظة التي يخسرها اليمن، شعباً وبلداً وإمكانات وقدرات، جرّاء العمليات الحربية للعاصفة المستمرة منذ فجر الخميس الماضي، فإن للاستحسان العريض في الشارع العربي لهذه العاصفة معانيه غير القليلة، لعل أولها أن ثمة بعض السرور بالمفاجأة السعودية القياديّة، كما تمثلت بالبدء بضرب الحوثيين ومقرّاتهم ومعسكراتهم، وفي التكتم الاستخباري الناجح الذي سبقها. وثاني تلك المعاني أن تعويلاً صار يشيع، مستعجلاً، على تحركٍ من هذا القبيل، أو شبيه له، وبحسابات أخرى طبعاً، يعمل على إنهاء المحنة السورية، وتحرير دمشق من التابعية الإيرانية المعلنة. ويذهب معنى ثالث في السرور المشار إليه أنه عكس استقبالاً طيباً لمبادرةٍ عسكريةٍ عربيةٍ خالصةٍ إلى حد كبير، من دون ارتكاز كثير على قوة خارجية، أميركية أو أطلسية، وفي البال أن تحفظات كانت واسعة لدى قطاعات في الشعوب العربية، بشأن العمليات العسكرية الغربية المساندة لثورة الليبيين لإنهاء عهد معمر القذافي، وكانت التحفظات، أو مظاهر الرفض على الأصح، أوسع بشأن الوجود العسكري الأميركي الكبير إبّان تحرير الكويت من احتلال صدام حسين.
كما كل حربٍ، وقد سمّاها العرب الأوائل الكريهة، لا تبعث غارات الحزم في اليمن على الحبور، غير أن آخر الدواء الكي. وكما كل حربٍ، فإنها ستنتهي إلى نتائج سياسية، ومفاوضاتٍ وتسوياتٍ، تنبني على الحقائق المستجدة، وعندها سيكون رهان اليمن واليمنيين، والسعودية والخليج، والعرب جميعاً. عندها، في وسع إيران أن تقرأ مسار قاسم سليماني إلى أين سيذهب. وفي وسع الشارع العربي أن يستطلع الممكن والمقدور عليه، وغير الممكن وغير المقدور عليه، بشأن العراق بعد معارك تكريت، ولبنان بعد زوبعة حسن نصر الله أخيراً، وسورية بعد الاتفاق الأميركي الإيراني. ستشغلنا هذه المعطيات، وفي بالنا جميعاً أن قياس الشاهد على الغائب بشأن عاصفة الحزم السعودية في اليمن، ربطا بعبد الناصر في اليمن وحافظ الأسد في لبنان، يصلح لأهل الأكاديميا، لا لكسر العظم القاسي، والشديد الإلحاح، مع علي يونسي، والشديد الوجوب مع بشار الأسد، حيث الإجرام في سورية ضاغط، ويستدعي حزماً آخر.