مقاطع جزائرية في 2021
يمكن حسبان إجراء الانتخابات التشريعية في يونيو/ حزيران الماضي واحدا من أهم وقائع الجزائر في عام 2021 الذي انصرف، غير أن الأبرز فيها تدنّي نسبة المصوّتين، والتي بلغت 30% ممن يحقّ لهم الاقتراع، في هبوط ٍعن نسبة 30% في انتخابات 2017. ولم يكن الحال أفضل في الانتخابات المحلية في نوفمبر/ تشرين الثاني، فقد اقترع 38%، وكذلك في الانتخابات الولائية (مجالس الولايات) المتزامنة، وكانت نسبة التصويت 34%. وليس ثمّة حصافةٌ خاصةٌ في القول إن هذا العزوف البادي لدى الجزائريين عن الذهاب إلى صناديق انتخاب ممثليهم في البرلمان وفي بلدياتهم يؤشّر إلى نقصانٍ ظاهرٍ في الثقة بمؤسّسات الدولة. وهم في هذا الحال يشابهون شعوبا عربيةً غير قليلةٍ لا ترى في العمليات الانتخابية الجدوى التي يتطلّعون إليها، صدورا، على الأرجح، عن القناعة المتوطّنة أن العقل الحاكم للدولة، للنظام والسلطة، لا يعدم وسيلةً في "تزبيط" النتائج التي يريد، و"طبخ" برلماناتٍ كما يشتهي. وعندما جاءت الانتخابات الجزائرية تلك بصدارة جبهة التحرير الوطني مقاعد الفائزين فذلكم مما يعزّز تلك القناعة، صحّت بمقدار أم لم تصحّ بأي مقدار. وأهمية الالتفات إلى تينك الواقعتين الانتخابيتين في جزائر 2021 أنهما انعقدتا بعد تعديلاتٍ إصلاحيةٍ أجرتها السلطة في الأنظمة الخاصة بالعملية الانتخابية، تعبيرا عن بعض استجابةٍ لمطالب طرحها الحراك الشعبي العام منذ انطلاقته في فبراير/ شباط 2019، وأنهما تعقبان انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد، وفي غضون آمالٍ مطروحةٍ للتقدّم أكثر وأكثر في مسار الإصلاحات المطروح، وفي سياق مقايضات السلطة مع الحراك الذي لامست بعضُ مطالبه سقوفا عالية، وتحقّق له (للإنصاف) بعضٌ من كثيرٍ، وإنْ في إطار الترسيمة التي هندسها قائد الأركان الراحل، أحمد قايد صالح.
أوقفت جائحة كورونا الحراك الذي كانت مسيراته، الحاشدة جدا في بعضها، تنتظم غالبا في أيام الجمعة، وعاد في فبراير/ شباط 2021، وأوقفت السلطة فعالياته بعد ثلاثة أشهر، واعتقلت بعض أسمائه ثم جرى الإفراج عنهم. ومعلومٌ أن إنهاء ولايات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان الهدف الأول الذي أقام عليه الحراكيون اندفاعة الأنصار والغاضبين وعموم الشارع، وقد أُجبر الرجل على التنحّي، ثم في العام الذي غادرناه وافته المنيّة، ليستعيد الجزائريون محطّات حكمه الأطول من ولايات سابقيه، فجاءوا على الوئام المدني الذي نجح في إرسائه، وكذلك على تفشّي الفساد والمحسوبيات في أثنائها، وكذا اتساع نفوذ "العصابة" (بالتسمية الذائعة)، وقد تواصلت في العام المنصرف محاكماتُ أفرادٍ من هؤلاء، من دون التفات قطاعاتٍ عريضةٍ من الجزائريين إلى تفاصيلها، على غير أمرِها لمّا انفتحت أبوابها قبل نحو عامين. وقد انشغلت البلاد بما أحدثته جائحة الفيروس من تأثيراتٍ سالبةٍ على الاقتصاد، سيما مع الإغلاق الطويل الذي فرضته الدولة، ومع تراجع أسعار النفط، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وإنْ شهد الاقتصاد الجزائري بعض انتعاش، وارتفاعا في صادرات غير المحروقات.
وإلى هذا الأمر، أحزنت الحرائق المتزامنة التي ضربت غاباتٍ واسعةً في عدة محافظات شرق البلاد في يوليو/ تموز الجزائريين، بالنظر إلى خسائر كبيرة أحدثتها. وقبل ذلك وبعده، أنها خلّفت 28 عسكريا من بين 69 شخصا قضوا في هذه الأحداث التي وقعت في غضونها فاجعة قتل الشاب المغني الرسام جمال بن إسماعيل والتنكيل بجثته، لترمي السلطات تاليا المسؤولية عن هذه الحادثة المفزعة على عناصر من منظمة انفصالية إرهابية، تبقى في الذهن الأمني الرسمي مدعومةً من المغرب، البلد الجار الذي أخذ الحكم في الجزائر قرار قطع العلاقات الدبلوماسية الكاملة معه، ووقف الرحلات الجوية المتبادلة معه (الحدود البرّية مغلقة منذ 1995). وأيا كانت بواعث هذا الإجراء، وما يحيط به من توتّرٍ مديدٍ في العلاقات الثنائية، فإنه أصاب المواطن العربي بشعورٍ مضاعفٍ بالأسف، لما ينطوي عليه من بالغ الدلالة على تدهورٍ مريعٍ في الحالة العربية عموما، والتي بات من تفاصيلها التحالفات المتسارعة بين أكثر من بلد عربي وإسرائيل. ولمّا كانت الجزائر تودّع 2021 بنشاط دبلوماسيتها في التهيئة لاستضافة القمة العربية في مارس/ آذار المقبل، فإن الناظر في هذا النشاط يسأل عمّا إذا هناك مقادير من الحكمة والعقلانية كافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما بين البلدين الكبيرين .. لعلّ وعسى.