09 نوفمبر 2024
ملابس الملكة
كانت الألسنة الطويلة ستأخذ راحتَها في الثرثرة والقيل والقال، وفي التأليف والتخريف، في ملاعب السوشيال ميديا وغيرها، لو أن الملكة رانيا (48 عاما)، عقيلة عاهل الأردن، لم يُصدر مكتبُها بيانا توضيحيا، بشأن ملابسها، أثوابِها وفساتينِها، يُخبر الأردنيين (وغيرهم) أن هذه الملابس مهداة، أو مستعارة، أو مشتراة بأسعارٍ تفضيلية مخفّضة. بدا الأمر شديد الغرابة، فكيف أن ملكةً ترتدي لباسا تستعيرُه ثم تعيدُه إلى أصحابه.. أليس في وُسعها أن تشتريه؟ يوضح البيان أن هذا الأمر (المستهجَن بتعبيره) "يعد ممارسةً شائعةً عالميا" و"متعارفا عليها" بين دور الأزياء وسيلةً لإبراز تصاميمها، غير أن البيان يستدرك، حتى لا يُظنّ ما لا يُستحسن ظنُّه، إن الملكة لا تروّج أيا من القطع التي ترتديها، إلا في حال كانت التصاميم أردنية.
لم يستمزج بعضُهم إصدار الملكة هذا البيان، فمقامُها أرفعُ من أن يَشتهر عنها إنها تستعير ألبسةً ترتديها، وأنها تشتري ملابَسها بأسعارٍ تفضيلية، بل وأنها تلبس أزياءَ مهداةً إليها. ماذا إذن تركت للعامّة؟ ولكن، من قال إن الملكيات في العالم باقيةٌ، في زمن ثورة الإعلام المهولة، الرقمي وغيره، على ذلك السّمت الطوطميّ الذي يحشُرها في علوٍّ يُنجيها من سماع أي صوتٍ آخر، غير الذي يزاول التبجيل والتقديس.. لا، لم يعد في الأرض شيءٌ مثل هذا، وإنْ ثمّة بعضٌ منه في بقعٍ قليلة. والملكة رانيا التي اعتبرتها مجلة هاربر آند كوين، في العام 2005، ثالث أجمل امرأةٍ في العالم، تعرف أن الدنيا الآن ليست تلك التي كان الناس فيها على دين ملوكهم. ولذلك، عندما يُشيع عنها موقعٌ إلكتروني مختص بالأزياء (UFO No More) أنها السيدة الأكثر إنفاقا على الملابس بين نساء العائلات الملكية في العالم، وينشر فريقُه أرقام مبالغ باهظة كَتب أن الملكة أنفقتها في العام 2017 على الملابس، فإن جلالتها لا بد من أن تُكذّب هذا كله، لا لشيءٍ إلا لأنه غير صحيح، سيّما وأن أردنيين، من قصيري الألسنة أو طويليها، لن يمرّروا أخبارا كهذه، من دون غمزٍ ولمز، ولو أن الأمر يتعلق بزوجة الملك، وليس بامرأةٍ عضوٍ في مجلسٍ بلدي مثلا.
لم يأت البيان على المبالغ التي أظهرها أولئك (328 ألف دولار في 2017)، لكنه أفاد بأن الملكة تعرف أن الانتقاد جزءٌ من العمل العام، غير أن الأمر مختلفٌ عندما يتحوّل إلى "اختلاق المعلومة واللجوء إلى أسلوب السخرية والاستهزاء المؤسف". واستطرد أن التركيز على ملابس زوجات القادة في دولٍ عديدة، واتهامهنّ بـ "الإسراف"، بحقّ أو بغير حقّ، ليس جديدا. ولفت إلى أن بعضهم في الأردن يتبنّى المنهج ذاته "لتصوير الملكة بعيدةً عن الواقع". والظاهر أن رانيا فيصل صدقي الياسين (اسم الملكة قبل زواجها في 1993)، والتي كتبت في تغريدةٍ، مرّةً، إن "لكلٍّ غرضُه على مواقع التواصل الاجتماعي"، رأت الافتراء بشأن ألبستها شأنا أكثر جسامةً مما أقدم عليه نائبٌ أردني، لمّا تحدّث في جلسةٍ للبرلمان، عن وجود ملكيْن في الأردن، وهو ما لا يحدُث حتى في خلايا النحل (بتعبيره)، في إشارةٍ منه إلى "نفوذٍ" للملكة التي لم تعقّب على زعمِه، وتُرك أمرُه للمجلس النيابي الذي أحاله إلى التأديب، وحذفَ كلمتَه من المحاضر. ولكن الملكة لمّا وجه نائب إخواني سؤالا في البرلمان للحكومة عن عمل مؤسّسة تحمل اسمها، ردّت، في تغريدةٍ، بأنها، مع احترامها صاحب السؤال، لا تعرف شيئا عن هذه المسألة. وكان لافتا جدا أن ينفي الجيش الأردني، في بيانٍ معلن، أي علاقة لشركة يمتلك نصفَها مع شقيقٍ للملكة.
ملكةٌ تُختار في ألمانيا لأن تسلّم المستشارة أنجيلا ميركل جائزة جودة القيادة، وتزور مدرسة تلاميذٍ من اللاجئين الروهينغا في بنغلادش، وتردّ على سؤالٍ لشبكة سي إن إن مرحبةً بمشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات النيابية في بلدها، وتنجو من فخٍّ حاولته قناة العربية في مقابلةٍ معها، فردّت على سؤال بأن السياسة ليست مجالها، ملكةٌ تسترسل وسائط إعلام عالمية في التأشير إلى الكلاسيكية الراقية في ملبسها، وفي تصاميم أزيائها الشرقية والمحتشمة، هذه الملكة ستتعزّز منزلتُها في عيون مواطنيها، وهي تعلن أنه يحدُث أن تلبس أزياء مُستعارة.