منزوعة السلاح... مدرّة للعسل واللبن والغاز
ما معنى دولة فلسطينية منزوعة السلاح؟ ببساطةٍ، أن يتحوّل الشعب الفلسطيني إلى قطط أليفة، من دون مخالب أو أسنان، تأكل وتشرب وتموء ولا تفكر في خمش الاحتلال الصهيوني أبدًا، وإن فكّرت فإنها لا تقوى ولا تجرؤ على التعبير عما تفكر فيه.
معناها كذلك احتلالًا آمنًا مرفّهًا مطمئنًا، متفرّغا لتحقيق حلمه في الهيمنة على الشرق الأوسط، والاستمتاع بأنهار من العسل واللبن تتفجر من أرض فلسطين للشعب اليهودي فقط.
الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح هي الحلم الذي لا يغادر رأس رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، منذ ظهوره على مسرح السياسة الإسرائيلية قبل أكثر من ربع قرن، وهو الحلم الذي يعلن عنه نتنياهو في كل مرّة يمسك بالميكروفون، ويتحدّث إلى الخارج والداخل.
في العام 2009، وفي خطاب ألقاه في جامعة بار إيلان، قال نتنياهو نصًا إن "الصيغة الأكثر اختزالاً للتسوية السلمية بيننا وبين الفلسطينيين تقوم على وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية. إننا لا نريد ضمّ الفلسطينيين وتجنيسهم في دولة إسرائيل، كما أننا لا نريد السيطرة عليهم، لكن بطبيعة الحال يجب أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ما يعني أن بعض مؤشّرات السيادة لديها ستكون محدودة. عندما تجعل دولةَ ما منزوعة السلاح فإنك تفرض القيود على قدراتٍ معيّنة، وهو أمر ضروري يتماشى مع الواقع الحقيقي السائد في الشرق الأوسط، ويشكّل إطاراً عقلانياً ومسؤولاً للتسوية".
الموقف ذاته كرّره نتنياهو أمام مؤتمر هرتسيليا السنوي حول القضايا الاستراتيجية في سبتمبر/ أيلول 2015 بحضور سفير الولايات المتحدة لدى الكيان الصهيوني، دان شابيرو، ورئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، وهو يتناول محاور خمسة، من شأن العمل عليها تحقيق الحلم الصهيوني في الهيمنة المطلقة على إقليم الشرق الأوسط، حيث تناول أولًا ما أسماه الإجراء الخامس والأخير المتعلق بتنمية الاقتصاد قائلًا: "وهناك غيره الكثير من الإجراءات، لكن أودّ التطرق إلى مواضيع أخرى. وبالتالين أركز عليه وحده، فهو بالطبع الطاقة، وفي مقدّمتها موضوع الغاز، إذ من المتعارف عليه أنه جاء في التوراة أن "البلاد تدرّ لبناً وعسلاً وغازاً" (قال ذلك مازحاً ومستدركًا إن ذكر الغاز لم يأت بالطبع في التوراة). وتابع "لقد تسلّمنا هدية كبرى من الطبيعة، ويجب استخراج الغاز من البحر ونقله إلى قطاع الاقتصاد. ولا أنوي الرضوخ لضغوط شعبوية بهذا الخصوص، علماً أن استخراج الغاز ينطوي على مغزى عظيم سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وله أهميته الشديدة من حيث مستقبل دولة إسرائيل. الخطة التي نضعها تحقّق التوازن الصحيح الذي يضمن استخراج الغاز من قاع البحر إلى جانب تحفيز المستثمرين من القطاع الخاص على القيام بذلك، تمشّياً مع قواعد عمل الاقتصاد السليم، والإيحاء للمستثمرين بفائدة توظيفهم أموالهم هنا، ما يمكّننا من تحقيق النمو. وعليه، تعود هذه الصيغة بالفائدة، سواء على المواطنين الإسرائيليين أو على المستثمرين من القطاع الخاص.
حلم الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، منزوعة القدرات، منزوعة الحلم بالتحرّر من الاحتلال، لا يخصّ نتنياهو فقط، بل هو بمثابة حلم قومي للكيان الصهيوني كله، إذ يذكر تقرير صادر عن مركز القدس للشؤون العامة أن نزع السلاح يهدف إلى منع تطوّر التهديدات العسكرية ضد إسرائيل، بما في ذلك الحرب التقليدية والإرهاب وحرب العصابات، وعبر أراضي السلطة الفلسطينية والدولة الفلسطينية المرتقبة.
ويؤكّد التقرير أن دولة فلسطينية منزوعة السلاح كان مطلبا إسرائيليا منذ إعلان المبادئ عام 1993، الذي كان بمثابة الأساس لمعاهدة أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية، وكان من المفترض أن يؤدّي التوقيع على اتفاقيات أوسلو إلى قيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، الأمر الذي وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من عشر سنوات.
ذلك هو الحلم الاستراتيجي للاحتلال، والذي يرتكب في سبيل تحقيقه المجازر والمذابح، وهو الحلم الذي يتكسّر على صخرة غزة المقاومة، ويكافح ضدّه الشعب الفلسطيني بدمائه وأرواحه، ويدفع ثمن التصدّي له آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، وآخرهم نحو 15 ألف شهيد في العدوان الحالي على غزّة.
لا يتبنّى هذا الحلم ويروجه ويسعى إلى تحقيقه إلا صهيوني صريح أو متصهين أو كاره لفلسطين.