من أين تعرف أخبار غزّة؟
ليس مُستغرَبا أن 1% فقط من المواطنين العرب يحصلون، بشكل رئيسي، من الصحف اليومية (الورقية والإلكترونية)، على أخبار الحرب الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزّة. وقد تيسّرت معرفة أمرِهم في النتائج التي انتهى إليها الاستطلاع الذي أنجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بشأن اتجاهات الرأي العام العربي نحو هذه الحرب، وأعلنها الأسبوع الماضي. وقد تدفع هذه النسبة المتدنّية جدّا (وغير المفاجئة) إلى فضولٍ لدى من يُصادفها، فقد تغشاه الرغبة بمعرفة أمزجة هذه الفئة المحدودة من الجمهور العربي، ومستويات أفرادها التعليمية، وأعمارهم، والبواعث التي تجعلهم يروْن في الصحف الورقية، لا في القنوات الفضائية التلفزيونية ووسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية ومحرّكات البحث، المصدَر الذي يلبّي حاجتَهم لمعرفة المستجدّات المتتالية في قطاع غزّة، في الشؤون العسكرية والإنسانية.
ولمّا يوضح الاستطلاع أن الفضائيات التلفزيونية تُحرز النسبة الأولى والأعلى (59%) من بين مصادر معرفة الجمهور العربي أخبار الحرب، فذلك يبدو طبيعيّا، فلا يحتاجُ واحدُنا إلى شاهدٍ يؤكّد ما نراه بأمّهات عيوننا، غير أن هذا يستلزم، في هذه المناسبة وكل مناسبة، التثمين المقدّر للكفاءة البديعة التي يقيم عليها جمهرةٌ من المراسلين الفلسطينيين الغزّيين، والمصوّرين، في عدة فضائيات عربية (وفلسطينية محلية)، أثبتوا مهنيّة رفيعة، ومثابرة فدائيّة، وإحساسا قويا بالمسؤولية تجاه الجمهور العربي والمؤسّسات التلفزيونية التي يعملون غيها (ويتعاونون معها)، وقد استُهدف بعضُهم بالقتل المباشر، كما أسرُهم وعائلاتُهم، وقد أبدع كثيرون منهم في توفير المعلومات الحيّة والموثّقة في أولى لحظاتها، ونقلوا أوجه المأساة الكبرى التي يُغالبها أهل القطاع منذ اليوم الأول للعدوان، وعرّفونا، بل وعرّفوا قطاعا عريضاً من شعوب العالم، بالكارثة التي أحدثها العدوّ في استباحته المستشفيات والمراكز الصحّية، في شمال القطاع وجنوبه. ولئن أحرزت بعض الفضائيات ("العربي" و"الجزيرة" و"الميادين" ...إلخ) إعجابا استثنائيا من الشارع العربي، بفضل ما أنفقه الشباب المراسلون وزملاؤهم المصوّرون والفنّيون فيها من جهدٍ بالمتابعة والإحاطة الوافية بوقائع العدوان، في ظروفٍ شديدة الصعوبة، وفي بيئة عملٍ عسيرة، فإن غالبيّة الجمهور رمت فضائية "العربية" بالاستهجان والاستنكار، بسبب ما اتّصفت به لغتُها، في تقارير غير قليلة فيها، بنقصان أخلاقيات العمل الصحافي، وضعف الالتزام تجاه مشاعر الجمهور العربي ووجدانه. وكان لافتا أن ينتقد أداءََها مسؤول سابق فيها، وهو كاتب سعودي معروف (داود الشريان)، سيّما أنه تساءل إذا ما كانت تعبّر عن حقّ عن مواقف المملكة في الشأن الفلسطيني.
وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي في المنزلة الثانية من مصادر متابعة المواطنين العرب أنباء العدوان وتفاصيله، وما يتّصل به من شؤونٍ سياسيةٍ واجتماعية، فإن لواحدنا أن يحدِس بأن هذه الوسائل تشتمل على موادّ صحافية، مصوّرة وغير مصوّرة، من مواقع إلكترونية متنوّعة أعطت للجاري في قطاع غزّة حيّزاً واسعاً ومساحاتٍ أعرض، كما أنها تشتمل على المواقع الإلكترونية للتلفزات ووسائط الإعلام المتنوّعة. وقد صار من بديهيّ البديهيّات أنك لا تكون حاضراً تماماً وبالقدر الكافي (والذي تتوخّاه) في الفضاء الإعلامي الفسيح، وإن كنتَ مؤسّسةً إعلاميةً كبرى، ما لم تكن حاضرا في وسائل التواصل، وبكيفيّاتٍ جذّابة ومُحدّثة وأولاً بأوّل. وعندما يفيدنا الاستطلاع بأن 7% من المستجيبين في عيّنة الاستطلاع (من 16 بلدا عربيا) يستأنسون بالإنترنت مصدَرا رئيسيّا لمعرفة أخبار غزّة، فالمرجّح هنا أن المقصود التجوّل في محرّكات البحث وعموم ما في الشبكة العنكبوتية، ما سيتّصل غالبا بالخيارَين، الأول والثاني، الفضائيات ووسائل التواصل.
وإذا كانت نتائج استطلاع المركز العربي في هذا المقطع الخاص بمصادر معرفة الأخبار قد أفادت بما قد يسوّغ نعيا متجدّدا للصحف الورقية، فإننا قد نمضي إلى شيءٍ مماثلٍ بخصوص "الراديو" الذي يتقصّى منه الجمهور العربي أخبار العدوان على غزّة بنسبة 2%. غير أن في الوُسع أن يُقال إن الحالة هنا خاصّةٌ جدا، وربما من غير العلمي والموضوعي أن تُسحََب على عموم علاقة الجمهور العربي مع الراديو في غير ظرف غزّة الراهن. ولعلّها مناسبة للإحالة هنا إلى أن الراديو يستعيد في القطاع، في غضون النكبة الموصوفة فيه، شيئا من زمنه الذهبي العتيق، بفعل الانقطاع المتواصل للكهرباء وفي ظروف الإقامة في مخيّمات النزوح، وفي اتّساع مظاهر البؤس المنظور ... وهذا موضوعٌ آخر.