من فضّ "كلوب هاوس"؟
كان "كلوب هاوس"، قبل عامين، "حالة"، وأعاد زخما مفقودا في حوارات الدين والسياسة وشؤون الاجتماع في مصر والوطن العربي، وكان أيضاً فرصةً حقيقية لسماع أصوات مهمة، لا تملك القدرة على صياغة أفكارها مكتوبة، أو في صورة تدوينات نارية، تجمع الأنصار على وسائل التواصل، هولاء من أسميهم (انحيازاً) بالعقلاء، المتخفّفين من أعباء القبلية أو إكراهات الأيديولوجيا أو "بطحة" الولاءات الأولى وهواجسها.
بدأ الكلام عن "كلوب هاوس" في عام 2019، ليكشف عن إدراك كثيرين من أبناء الربيع العربي الهزيمة، واعترافهم بها، بعد كثير من المكابرة، ومطاردتهم أسبابها، وتطلّعهم إلى سماع آخرين يشاركونهم الهم نفسه. ورغم مناوشات كثيرة، وحوارات تكسير عظام متوقّعة، ومعارك صفرية، لا يخلو منها نقاش عربي - عربي، لكن صوتا جادّا تمايز، ووجد مكانا، وغرفا، وجذب أنصارًا، وناقش أفكارًا مهمة، وطرح حلولا تبدو واقعية، ولم يعبأ بالمزايدات أو رسائل التيئيس، وبدا أن "توافقا" ما يمكنه أن يأتي من وراء هذا التطبيق ذي الطابع الليبرالي، لكن شيئا لم يأت، فلماذا؟
لم أكن متابعا "جيدا" بحكم شواغل العمل، لكن الإجازات الأسبوعية كانت فرصةً لمتابعة بعض الغرف، والتعرّف على مجمل ما حدث في غيرها. مع الوقت، اختفت هذه الغرف، وانقسم أصحابها إلى ثلاث فرق، فريق يستطيع "توصيل" ما لديه كتابة أو من خلال نافذة مسموعة أو مرئية، وهؤلاء قليلون، اختاروا لأنفسهم نوافذهم الخاصة وانطلقوا، وفريق عاد إلى المتابعة بصمت، أو التدوين، على خفيف، ووفق ما تسمح ظروف الوجود في مصر أو زيارتها من آن إلى آخر، (الظروف الأمنية أعني)، وفريق ثالث، هرب إلى مساحاتٍ أخرى "أكثر أمانا"، فماذا حدث؟
إذا تطفّل "نوتيفيكيشن" على طرف أصبعك، في لزوجة، ودفع بك رغما عنك إلى غرفةٍ ما، ومنها إلى غيرها، على سبيل الفضول، ستجد أن "التطبيق" عاد إلى أصحاب الحقّ الحصري في الكلام، في مجتمعاتنا، الراديكاليين من كل تيار، في النقاشات الدينية، متطرّفي السلفية من الدواعش وأشباههم، في مواجهة ضحاياهم من الملحدين الراديكاليين بدورهم، والأمر نفسه في "الخناقات" السياسية، مع استثناءاتٍ قليلة، وحين تسأل المخضرمين في متابعة التطبيق، لأسباب يتعلق أغلبها بالملل، تجد إجابات مختلفة لأسباب "نكسته، لكنها تشترك في شيء واحد، يكرره الجميع، المزايدات الرخيصة (هل توجد مزايدة ليست رخيصة؟)، تلك التي لم ينج منها أحد، والعهدة على رواة، لعلهم ثقات، هنا تبدو فكرة كل تيّار عن الآخر، (الانطباعات والصور الذهنية) التي تتغيّر في بدايات الحوارات وديباجاتها "المجاملاتية" المنمقة، ثم تظهر حقيقة الأمور مع أول تصعيد، أو "مزايدة"، على سبيل التشهي، والطبع الأصيل والغلاب، ويتحوّل أيّ نقاش إلى "وصلات ردح"، واتهامات متبادلة وخوض في الأعراض، بل وتتبع معارضين لبيانات حسابات معارضين آخرين، ربما من الفريق نفسه، (على الطريقة الأمنية)، وإبلاغ متحاور "شريف" عن متحاور "شريف" آخر، بسبب خلافٍ في مناقشة أو رأي على فضاء افتراضي.
هنا أيضا تبدو تصوّرات كل فريق أو "فرد" عن نفسه، وحجم التقدير الزائد والمبالغ فيه لذاته، (كان ذلك أحد أسباب الثقة المفرطة في قدرة المتظاهرين على إسقاط أي نظامٍ يأتي بعد الإخوان المسلمين، وأنتج عبارات كوميدية مثل "الميدان موجود" وغيرها) وحجم "الإيغوهات" المرعبة لدى معارضين لا وزن لهم، أو كتّاب وباحثين وأكاديميين ليست لديهم دولة أو حزب أو جماعة أو جهة تحمل أفكارهم الجيدة أو الرديئة على أجنحة الذيوع، والأخطر من ذلك كله طريقة استخدام المتحاورين "سلطاتٍ" افتراضية يمنحها التطبيق لمديري الصفحات، والتي كانت، وفق الرواة، سببا رئيسا في مزايدات وصراعات طاحنة، إذ تعرّض أغلب المختلفين إلى الطرد من الغرف أو الإزاحة من منصّة المتكلمين إلى المستمعين، عقابا على مجرّد الاختلاف، لم يتحمل بعض المعارضين "صوت" بعض، فماذا لو كان لدى مديري الصفحات سلطة القبض على مخالفيهم أو سجنهم بقضايا ملفقة أو إخفائهم قسريا أو نفيهم؟ هنا وجه آخر من المأساة.