من وقائع ثقافة 2021 عربياً
مقدورٌ عليه أن تُستعرَض الوقائع والتظاهرات والمناسبات والأحداث الثقافية، في كلّ بلد عربي في العام 2021 الذي يوشك أن يغادرنا، عند إجراء "جردةٍ" تقليدية، كما الذي تصنعه، غالباً، صحافاتٌ في وداع كلّ عام، غير أنّ العسير أن يقع واحدُنا على البارز من بين تلك كلها، له صفةٌ خاصةٌ على صعيد الأهمية الجوهرية، من حيث القيمة أثراً وتأثيراً، أو الاختلاف والجدّة والإضافة، أو الانعطافية لو كنّا أكثر تطلّباً .. المستجدّ البارز في العام قيد الانصراف عودة التظاهرات الثقافية والفنية الدورية إلى استئناف انتظامها، بعد أن أوقف فيروس كورونا كثيراً منها في العام السابق، معارض الكتب ومهرجانات المسرح والسينما مثلاً. وعدا عن بعض إصداراتٍ من الكتب، في غير بلدٍ عربي، تستحقّ التثمين، فإنّك تكاد لا تُصادِف ما لا يشتمل على تلك الصفات التي ذَكَرت. ومع التسليم بوجود إضاءاتٍ طيبةٍ، شحيحةٍ جداً، يمكن عدّها من الحَسَن الإيجابيّ، فإنّك لا بد ستلقى الكثير مما يدلّ على سوءٍ عريضٍ في المشهد العربي العام، على الصعيد الثقافي، يبعث على أسفٍ واجب، ويستحقّ النيْل منه، وتعيين أوجه الاعتراض عليه والتنديد به. سيما وأنّ الثقافة، في بعض مشتملاتها وجوهرها، فعل إبداع، واحتجاج، في الوقت نفسِه، على الرداءة والركاكة والتسلّط والقبح، وانحيازٌ إلى الحق والجمال والحرية والعدالة.
تزعم هذه المقالة إنّ الأبرز من الوقائع الثقافية عربياً في 2021 الانتصار الذي أبداه أدباء وفنانون وأساتذة جامعيون في تونس لانقلاب الرئيس قيس سعيّد على الدستور والبرلمان والقوانين. لقد غلّبوا، وعددُهم ليس هيّناً، ميولاً سياسويةً فيهم، على الانتصار لتمرينٍ ديمقراطيٍّ كانت بلادُهم تعبر فيه ومنه إلى طريق تقدّم ما، وإنْ مع عثراتٍ وصعوبات. انحازوا إلى بلاهات رئيسٍ متسلّط، بلا أي كفاءةٍ في أي شأن، مزهوّ بذاته وفردانيته، متعالٍ على الدولة والدستور والأعراف وبديهيات التعامل مع نخب البلد وكفاءاتها. وعلى مبعدةٍ من تونس، في الوُسع أن يفسّر واحدُنا صمتَ مثقفي الإمارات وكتّابها الفادح على ما يمضي فيه الحكم في بلدهم، من تحالفٍ وثيقٍ مع إسرائيل، بالمنزع القمعي الشديد الصلافة لدى السلطة، وبأن من غير الواقعي أن يُطالَب أولئك المثقفون بأن يكونوا فدائيين، إذ في الوُسع هذا، يبقى غريبا، على أي حال، أن لا يخرُج أحد منهم عن هذا السياق، بعد الشجاعة غير المنسيّة التي بادرت إليها الشاعرة ظبية خميس، فور توقيع اتفاقية التطبيع المشينة مع إسرائيل. ولا يُغالي صاحب هذه العُجالة في اعتباره خبرا بالغ الأهمية والجدّة، من حيث خروجه على كل منطق، وشذوذه الحادّ، اجتماعُ رئيس حكومة دولة الاحتلال، نفتالي بينت، في أبوظبي، أخيرا، مع وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، نورة الكعبي، وبحثهما "التعاون القائم بين الدولتين في مجالات الثقافة والرياضة، بما في ذلك السينما والإنتاج التلفزيوني المشترك". وبشأن إعلان الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، رفضَه جائزة الشيخ زايد للكتاب، واحداً من وقائع 2021 الثقافية الأشهر، فإن المفيد عربياً هنا، أنّ مجلة دير شبيغل هي من قرّعت الفيلسوف الشهير على قبولِه الجائزة من بلدٍ لا يأخذ بمعايير حقوق الإنسان، ما ينبّه المثقف (والإعلامي) العربي، إلى سلطةٍ ينبغي أن يحوزَها، أقلّه أن يُشهر موقفاً معلناً ضد الاستبداد والتحالف مع إسرائيل والفساد والدكتاتوريات الانقلابية وتمثيلاتها.
يطوي العام آخر أيامه وفي "حصاده" الثقافي، عربياً، انكشاف مفاجأة عدم التفات المترجم العربي إلى روائيٍّ مسلمٍ يمنيّ الأرومة تنزاني اليفاعة بريطاني الإقامة والجنسية، اسمُه عبد الرزاق قرنح، يُمنح جائزة نوبل للآداب، تنشغل رواياتُه العشر بالهجران والفقد في أجواء ومناخاتٍ عربيةٍ وإسلامية، فيما ليس منها واحدةٌ نُقلت من الإنكليزية إلى العربية. وفي الحصاد نفسه أنّ 22 مومياء ملكية فرعونية انتقلت في القاهرة من متحفٍ إلى آخر في موكبٍ بهيج، وأنّ مدينة الأقصر في صعيد مصر شهدت افتتاح طريق الكباش الفرعوني، الحدث الذي عدّه بعض الإعلام "أسطورياً". وقد جاء هذا الطريق وذلك الموكب موصوليْن مع كشوفاتٍ أثريةٍ كبرى في مصر، منها معبد للشمس ومقبرة فرعونية. .. أليس ذا دلالةٍ كاشفةٍ أنّ مصر، وهي دائماً محطّ انتظار الجديد الباهر في الحاضر المتصل بمستقبل الأمة وثقافتها، الجديد الباهر فيها في 2021 متعلقٌّ بماضٍ بعيد؟