09 نوفمبر 2024
من يكترث بالمصالحة الفلسطينية؟
عاد وفدٌ من حركة حماس، برئاسة المسؤول الأول في مكتبها السياسي، إسماعيل هنيّة، من القاهرة إلى غزة، بعد إقامةٍ طويلة، عقدت في أثنائها اجتماعاتٌ كثيرة، مع مسؤولين مصريين، شارك فيها قياديون من الحركة قدموا إلى العاصمة المصرية من عدة بلدان، ولم تقتصر الملفات التي خيض فيها على موضوعة الانتهاء من الانقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة مع حركة فتح ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، وإنما جاءت على عموم الأوضاع في قطاع غزة الذي على فوهة بركان، بحسب هنيّة نفسه، كما قال أول من أمس. وبعد أيام معدودةٍ، بدأت اجتماعاتٌ أوسع وأعرض، في غزة، يواصلها وفدٌ من المخابرات المصرية، في زيارةٍ تبحث حزمةً من الملفات المتصلة بأحوال غزة، عموما، والتي يخبرنا هنيّة أن القاهرة تدرك خطورة هذه الأحوال. ولا شيء يتمنّاه واحدنا غير أن تنتهي كل هذه الاجتماعات والمداولات، وكل هذا الجهد المصري فيها، إلى إنهاء عار الانقسام المخزي، وحسم الحالة الشاذّة التي يقيم فيها قطاع غزة، منذ استحكمت فيها السلطة، الأمنية والميدانية، لحركة حماس. والمعلوم الأوضح، ونحن في العقد الثاني لذلك العار وتلك الحالة، أن مقادير الإحباط الفلسطيني، في قطاع غزة وغيره، مهولة، من فرط أرطال اليأس الثقيل من مواسم اللقاءات والمباحثات والاتفاقيات بين حركتي فتح وحماس، ذلك أن الخبرة المديدة مع هذه كلها لا تيسّر أسبابا وجيهةً للتفاؤل، حتى أن سحابة الأمل التي غشيتنا، غداة قرار دونالد ترامب أخيرا بشأن القدس، عبرت كأنها لم تكن.
شساعة الموضوعات العالقة في قضية المصالحة، والتي جاءت عليها اجتماعات "حماس" في القاهرة، وكذا التي يتداول بشأنها حاليا مسؤول ملف فلسطين في المخابرات المصرية، اللواء سامح نبيل، في غزة، تعني أن القصة طويلة، وأن تبادل عزّام الأحمد وموسى أبو مرزوق قبلات الود الكثيرة كان من لوازم الفلكلور الفلسطيني المحبب، تماما كما قول إسماعيل هنية، أول من أمس، إن المصالحة خيار استراتيجي لدى حركة حماس، وهي العبارة التي تزيد الضجر الفلسطيني العتيد من هذه القصة ضجرا أكثر وأكثر.
تقول رئاسة الحكومة إن الموازنة الجديدة تُدرجُ نحو 20 ألف موظف من المختلَف بشأنهم في قطاع غزة، غير أن "حماس" تشكّك، وتطالب بأن يكونوا 40 ألفا. والظاهر أيضا أنه لا مانع لدى الحركة الإسلامية من تسليم كل قطاع غزة إلى حكومة رامي الحمد الله، وقد فعلت ذلك إلى حد بعيد، غير أنها تقدّم رِجلا وتؤخّر أخرى بشأن تسليم الحكم في القطاع، ولا يعوزُها الدهاء في افتعال ألف سببٍ وسببٍ في هذا الأمر، من قبيل ربط موضوع نقل الجباية الضريبية في القطاع إلى خزينة السلطة الوطنية بموضوع أولئك الموظفين الذين صارت ذائعةً تسميتهم "موظفي حماس". وفي الأثناء، تنشط دواليب حركة فتح مع نظيرتها الحمساوية في تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن عدم تنزيل اتفاق المصالحة في القاهرة الموقع في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وهذا القيادي في "حماس"، خليل الحيّة، يدعو الأمم المتحدة إلى مشاركة في الإشراف على تنفيذ الاتفاق (!). أما المعتدل جدا في الحركة، أحمد يوسف، فإنه تحدّث، عن مباحثاتٍ أجرتها "حماس" مع ما يسمى "التيار الإصلاحي في حركة فتح" من أجل "تشكيل إدارة مشتركة لقطاع غزة، بمشاركة وطنية واسعة"، تشمل التيار المذكور.
أمام مسلكياتٍ كهذه، وفيما ليس صعبا الوقوع على النزوع، غير الخافي، لدى "فتح" إلى منطق الاستقواء والتغلب، واستثمار أجواء إقليمية تطرأ وتستجد، فإن أحجية المصالحة تتغذّى بأسبابٍ لا تنفكّ تتناسل لتبقى في حال المراوحة الماثلة. ومن مدخلٍ أخلاقيٍّ في السياسة، إذا كان يُؤمل كل الخير من المجهود المصري في الإبقاء على زخم أنفاس المصالحة حيا، وفي الدفع بها إلى الأمام، بإنهاء كل الملفات العويصة التي تعترض تنزيلَها في الواقع، فإن التحسّب مُسوّغٌ، في الوقت نفسه، من أن تكون الحسابات الأمنية، ذات البعد المخابراتي الصرف، أقوى من غيرها في التفكير المصري، ومن أن يكون إيثار المسكّنات الظرفية على الحلول الأعمق هو النهج الذي تحبّذه القاهرة. ولكن، الأمور بخواتيمها، وها نحن نراقب ونرى، لعل المائة عام المقبلة تشهد نجاح المصالحة الفلسطينية المشتهاة.