مَن يحتكر اليمن؟
تتفاوت حماوة جبهات القتال بين القوات الحكومية اليمنية وتلك التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات. لكنها تبدو ثانويةً أمام معركة من نوع آخر تشتعل منذ أسابيع، سياسية الطابع، وغرضها قضم أكبر قدر من المناصب الحكومية. المفاوضات التي ترعاها السعودية بين الطرفين تتركز على تقاسم السلطة، وإن كان اتفاق الرياض المتعثر التطبيق منذ التوقيع عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أعطاها تعبيراً أكثر تلطفياً، وسمّاها إشراك المجلس وباقي المكونات الجنوبية في السلطة. يخوض الانتقالي معركته للظفر بأكبر قدرٍ من الوزارات والمناصب. وتقاتل الشرعية للتقليل من حجم ما يحصل عليه. والاثنان يستخدمان ورقة المكونات الجنوبية. حاولت قيادات المجلس، حتى قبل إعلان هذا الكيان، فرض نفسها ممثلا وحيدا للقضية الجنوبية، على قاعدة أن صاحب الصوت الأعلى هو صاحب الحق. وما المليونية التي دعا لها المجلس اليوم الجمعة تحت شعار "الانتقالي يمثلنا" ووسم "#الجنوب_فوض_الانتقالي" سوى مؤشرات على أن المعركة محتدمة، وأن المجلس يحتاج ورقة ضغط إضافية في مفاوضاته.
أما الشرعية فتلعب على النقيض من مخطط الانتقالي، محاولةً التركيز على عدم صحة ادّعاء الاحتكار. يستند هذا المعسكر إلى وجود عشرات المكونات الجنوبية، وأن مقاربتها للقضية الجنوبية تتباين بين تيار وآخر. شد الحبال المتواصل بين الطرفين يرجّح أن ينتهي باتفاق يحفظ ماء وجه الرياض ولو مؤقتاً. أقصى ما يطمح إليه المجلس الانتقالي أن يتحوّل إلى نسخةٍ عن الحوثيين في صنعاء. كانت الجماعة أول من عرف من أين تؤكل الكتف. وقعت اتفاق الشراكة والسلم مع الحكومة اليمنية، وسرعان ما انقلبت عليه، ووضعت يدها على مؤسسات الحكم في كل محافظةٍ استطاعت الاستيلاء عليها. ونشأت بسببها طبقةٌ تحتكر السلطة والنفوذ والإيرادات، ولم تقدّم أي شيءٍ لليمنيين، حتى الرواتب تحرمهم منها، واضعةً المسؤولية على الحكومة اليمنية، بذريعة نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. لا يوجد ما يوحي بأن الوضع في المحافظات الجنوبية سيكون أفضل حالاً. يريد الانتقالي السلطة، لكنه لا يريد المسؤولية. يضغط لتعيين شخصياتٍ يختارها في الوزارات، وفي باقي المناصب التي ستمنح له، لكنه لا يريد الاعتراف بسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلا شكلياً. يدّعي الانتقالي أنه نقيض الحوثيين، لكنه في الحقيقة لا يختلف عنهم كثيراً.
أما الشرعية فتلك حكاية أخرى. تستميت في الحفاظ على كل منصب، لأنها تدرك جيداً أنه يخصم من رصيدها في السلطة ويُضعفها. منذ سنوات، تتكرّر نغمة وجود مخطط لاستبدال الرئيس هادي، حتى أن افتتاحية في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بعنوان "على الرئيس هادي الرحيل" كانت كافيةً لدق ناقوس الخطر، وإعلان حالة الاستنفار في معسكر الرئيس، من منطلق وجود مؤامرة لاستبعاده.
وإذا كانت الافتتاحية مصيبةً في التصويب على أداء هادي الضعيف وفساد فريقه، فإن استبداله في هذا الظرف قد لا يكون متاحاً. يحتاج رحيل هادي إلى تفاهماتٍ على طي المرحلة الانتقالية، الممتدة منذ انتخابه رئيساً توافقياً خلفاً لعلي عبد الله صالح في العام 2012، مع ما يعنيه هذا الأمر من التوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية المتشعبة. حتى اليوم، لا يوجد ما يوحي بأن التسوية الشاملة قد اقتربت، لا سيما أنها تتطلب تنازلاتٍ من جميع الفاعلين في المشهد، مثلما يفترض أن تتضمن توافقاً على عدم إقصاء أي طرف. ولا يبدو أن الأطراف الداخلية أو الدول المتدخلة في اليمن مستعدة لمثل هذه الخطوة راهناً.