مُؤشّر الصحافة العالمي لم يعكس واقع الحرب
يصدر سنوياً عن مُنظّمة مُراسلون بلا حدود، في مناسبة اليوم العالمي للصحافة (3 مايو/ أيار)، مُؤشّر حرّية الصحافة على مستوى العالم. تُحاول المُنظّمة (مقرّها باريس) أن تضع معاييرَ مُحدّدة لتقييم الدول وترتيب وضعها في هذا المُؤشّر، فيمكن لأصحاب القرار أن يتعاملوا معه لمعرفة نقاط الضعف والقوّة وإجراء التعديلات المناسبة.
ومع تقدير هذا الجهد المُميّز، ليس بالضرورة أن تلك النتائج صحيحة دائماً وتعكس الواقع. وأحياناً، تكون النتائج الرقمية مختلفةً عن نصوص المُؤشّر نفسه. تشمل التصنيفات الفرعية السياقين السياسي والاقتصادي، والإطار القانوني، والسياق الاجتماعي الثقافي، والأمن. ولكننا نرى، من خلال فحص الوضع على الأرض، والتمعّن في التفاصيل النصيّة لكلّ سياقٍ، تناقضاً غريباً، فرغم حرب الإبادة، المدعومة بشكل أو بآخر من الإعلام الإسرائيلي، لم يعكس المُؤشّر الرقمي حقيقة ما يجري على الأرض. ففي قائمته لعام 2024، عن السنة المنصرمة، جاءت إسرائيل في المرتبة الـ101، وفي تراجع ضئيل عن المرتبة الـ97 في 2023. فيما تراجعت فلسطين مرتبةً واحدةً إلى 157.
اختير الصحافيون الفلسطينيون الذين يغطون أحداث غزّة لنيل جائزة اليونسكو، "غييرمو- كانو"، العالمية لحرّية الصحافة لعام 2024
وقد نشرت "مراسلون بلا حدود" ملخّصَ واقع الصحافة الفلسطينية، الذي حاولت إسرائيل تدميره خلال حربها على غزّة: "قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان من الصعب ممارسة الصحافة في فلسطين، حيث كان الصحافيون يتعرّضون للاعتقال والعنف والملاحقات القضائية، بينما كانت تُدمَّر معداتهم وكانوا يُحرمون بطاقات الاعتماد لتغطية بعض الفعاليات... لكنّ الجيش الإسرائيلي قتل في غزّة أكثر من مائة صحافي خلال الستة أشهر الأولى من الحرب على القطاع المُحاصر، علماً أنّ 22 منهم لقوا حتفهم في أثناء قيامهم بعملهم، فضلاً عن عشرات المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ما جعل فلسطين أخطر بلد في العالم على الفاعلين الإعلاميين خلال عام 2024. فقد بات الصحافيون محاصرين في غزّة، ولم يعد لديهم مأوى، بينما أصبحوا يفتقرون إلى أبسط سبل العيش، من ماء وطعام". وبشأن الوضع في الضفّة الغربية، قالت المُنظّمة الدولية: "يتعرّض الصحافيون للمضايقات والاعتداءات بانتظام من المستوطنين والقوات الإسرائيلية، لكنّ القمع بلغ مستويات جديدة مع موجة قياسية من الاعتقالات بعد 7 أكتوبر، علماً أنّ الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضدّ الصحافيين أصبح القاعدة".
ورغم كل ما ذُكر في النصوص المرافقة للمُؤشّر، إلا أنّه أظهر تراجع فلسطين نقطة واحدة، في حين قرّرت "اليونيسكو" تكريم الصحافيين الفلسطينيين بأكثر جائزة صحافة عالمية أهمّية، إذ اختير الصحافيون الفلسطينيون الذين يغطون أحداث غزّة لنيل جائزة اليونسكو، "غييرمو- كانو"، العالمية لحرّية الصحافة لعام 2024، بناءً على توصية هيئة تحكيم دولية مؤلّفةٍ من مهنيين عاملين في مجال الإعلام. وأعرب رئيس الهيئة عن "التضامن والتقدير للصحافيين الفلسطينيين وشجاعتهم". وربما تحتاج "مراسلون بلا حدود" إضافة تصنيف جديد هو الشجاعة الصحافية، ومُؤكّد أنّ ذلك سيرفع موقع الصحافيين الفلسطينيين في المُؤشّر السنوي. أمّا في ما يتعلق بإسرائيل، فيبدو أيضاً أنّ هناك تناقضاً بين أرقام المُؤشّر والنصوص المرافقة. إذ ذهبت النصوص إلى أنّ حملات قمع الصحافيين الذين يُغطّون المظاهرات الاحتجاجية المناهضة للحكومة اشتدّت "منذ أصبحت الشرطة في نهاية عام 2022 تحت سيطرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وهو سياسي يميني متطرّف، في أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
فشلت أرقام المُؤشّر السنوي في عكس الصورة عن مكانة دولة الاحتلال والشعب المُحتَلّ
وذكرت المُنظّمة أنّ التهديدات في العام المنصرم "شملت الصحافيين العرب الذين يُغطّون الحرب من داخل إسرائيل"، وأشارت إلى أنّ "السجون الإسرائيلية تعجّ بعشرات الصحافيين الذين اعتقلوا في فلسطين". واعتبرت أنّ أساليب الترهيب التي تطاول الصحافيين العرب في إسرائيل تزايدت: "فمنذ بداية الحرب على غزّة، تزايد قمع السلطات ضدّ هذه الفئة من الفاعلين الإعلاميين، بقدر ما أصبح يطاول أيضاً، الصحافيين الأجانب أو الإسرائيليين الذين يحاولون تغطية هذه الحرب بتبنّي خطابٍ لا يتماشى بالضرورة مع الخطاب الحكومي". كذلك، جاء في النصّ أنّ سلطات الاحتلال مارست "رقابة عسكرية على القضايا الأمنية في إسرائيل، حيث يتطلب الأمر موافقة مُسبقة قبل النشر. وبالإضافة إلى التشهير في القانون المدني، يُتيح القانون الجنائي إمكانية توجيه تهمة، علماً أنّ تفسير هذا النص الفضفاض في سياق الحرب قد يحمل مخاطرَ كبيرة على حرّية الصحافة. كما يتيح قانونٌ آخر، أقرّه البرلمان عام 2024، حظر بثّ وسائل الإعلام الأجنبية التي (تهدّد أمن الدولة)".
قد يكون من الصعب إحداث مُؤشّر يضع ترتيباً للدول، يتعلّق بحرّية الإعلام خاصة، عند مقارنة الدول العاديّة بدولة في حالة حرب ضدّ شعب بأكمله، فالحقيقة أوّل ضحيةٍ في الحروب، ومن تابع التغطيتين الإخبارية الإسرائيلية والفلسطينية، خلال حرب الإبادة على غزّة، لن يقتنع بحرّية التعبير في دولة تمنع أيّ صحافي أجنبي من دخول ساحة الحرب، وتقتل من دون تردّد الصحافيين المحلّيين، ومؤسّسات الصحافة. لقد نجح محرّرو المُنظّمة في عكس جزء بسيط من هذا الخلل، في حين فشلت أرقام المُؤشّر السنوي في عكس تلك الصورة عن مكانة دولة الاحتلال والشعب المُحتَلّ.