نتنياهو أمام الحائط
فتح قرار مجلس الأمن، الصادر الاثنين المنصرم، وطالب بوقف فوري لإطلاق النار خلال ما تبقى من شهر رمضان، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، فصلا جديدا في الحرب، وذلك بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. ومن المؤكّد أن عدم استخدامها "الفيتو" لا يمثل تحولا استراتيجيا في رؤيتها إلى الصراع، وفي الوقت نفسه لا ينبغي التقليل من أهميته، فرسالتها من عدم اعتراضها على القرار واضحةٌ؛ إذ لا يمكنها أن تقبل بانفراد إسرائيل بإدارة الحرب بما يضرّ بمصالحها في الإقليم والعالم، في ظل رفض نتنياهو أخذ التحفظ الأميركي، بشأن التوغّل البرّي الإسرائيلي المرتقب في رفح، بعين الاعتبار.
يعكس رفضُ نتنياهو الانتقادات الأميركية لإدارته الحرب أزمة عميقة تواجهُها حكومتُه بفعل التطوّرات الميدانية التي أفرزتها الحرب في غزّة، فقد فشلت قوات الاحتلال في تحرير الرهائن. وما تروّجه عن تفكيك جزء كبير من المنظومة العسكرية للمقاومة الفلسطينية تُكذّبُه الوقائع على الأرض، جديدها أخيراً كان رشقة الصواريخ التي أطلقتها المقاومة، الاثنين الماضي، على غلاف غزّة، ساعاتٍ قليلةً قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن، في ما بدا رسائل أرادت حركة حماس إيصالها إلى إسرائيل والولايات المتحدة و''لمن يهمّهم الأمر'' في الإقليم. ما يعني أن القضاء على المقاومة يبدو في غاية الصعوبة، إن لم نقل مستحيلا.
بالموازاة مع ذلك، تتصاعد حدّة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، أمام عجز الجيش عن حسم الحرب، واستمراره في ارتكاب جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق الأطفال والنساء والشيوخ. وإذا كان اليمين الديني المتطرّف لا يزال يمثل، لنتنياهو، الحاضنة السياسية والاجتماعية، لحكومته، فإن شرائح واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي باتت تنظر إليه عقبة، ليس فقط أمام تحرير الرهائن، بل أيضا على صعيد علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، التي تمثل العنوان العريض لدعم الغرب دولةَ الاحتلال منذ تأسيسها في 1948. ويأخذ الأمر أبعاداً أخرى، فالمؤسّسة الأمنية باتت تتخوّف، أكثر من أي وقت مضى، من اتّساع الفجوة بين نتنياهو وإدارة الرئيس جو بايدن بعد إلغائه زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن، ردّاً على عدم استعمال الولايات المتحدة "الفيتو" في مجلس الأمن. وتدرك هذه المؤسّسة أن من شأن تزايد حدّة الانتقادات للرئيس بايدن في صفوف الحزب الديمقراطي، فضلا عن شرائح واسعة داخل المجتمع الأميركي، بسبب دعمه حرب الإبادة في قطاع غزّة، أن يزيد من عزلة إسرائيل، ويُفقدها التأييد في مواقع صناعة القرار في الولايات المتحدة. بمعنى أن عدم اعتراض واشنطن على قرار مجلس الأمن قد يشجّع دولا غربية أخرى على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مواجهة الصلف الإسرائيلي، خاصة بعد إعلان نتنياهو عدم التزامه بالقرار. ومن هنا، كان دالّا ترحيبُ "حماس" بقرار مجلس الأمن، فعلى الرغم من البياضات التي تضمّنتها فقراتُه، ولا شك أن الحركة على بيِّنةٍ منها، إلا أنها رحبت به في مسعى إلى تخفيف الضغط السياسي عليها ورمي الكرة في الملعب الإسرائيلي. صحيحٌ أن امتناع واشنطن عن استعمال "الفيتو" لا ينبغي تحميله أكثر مما يحتمل، لكنه يبقى مؤشّرا غير مطمئن بالنسبة لكيان نشأ وترعرع على الدعم الأميركي غير المشروط.
إضافة إلى ذلك، يُلقي مشروع قانون تجنيد الحريديم (اليهود الأرثوذكس) في الجيش بظلاله على حكومة نتنياهو وينذر بنسفها في أي لحظة، فمعارضو المشروع يروْن أنه يضرّ بأمن الدولة بسبب محاباته الحريديم، ما يشير إلى مزيدٍ من الانقسام، ليس فقط داخل الائتلاف الحكومي، بل أيضا داخل المجتمع الإسرائيلي.
في ضوء ما تقدّم، يجد بنيامين نتنياهو نفسه أمام الحائط في ظل بداية نفاد الأوراق الداخلية والخارجية التي يمكن أن تسعفه في تجاوز هذه الأزمة وتجنّب المحاسبة التي ستنهي حياته السياسية. وهو ما يعني أن حرب غزّة باتت حدثا مفصليا داخل إسرائيل، بعد أن كشفت التناقضات التي كانت كامنة في نسيجها المجتمعي.