نصر فلسطين في "العمّال" البريطاني
انتصر شباب حزب العمّال البريطاني، عندما اختاروا الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ. وانتصر يساريو العمال لتاريخهم، عندما انحازوا لمناصرة الحق الفلسطيني. وخسر تيار اليمين البليري (نسبة لتوني بلير) الذي حاول لسنوات جرّ الحزب إلى جانب إسرائيل، عندما دان أعضاء حزب العمال التصويت، في مؤتمرهم السنوي العام، وبأغلبية ساحقة، "النكبة المستمرة في فلسطين، وهجوم إسرائيل العسكري على المسجد الأقصى، والتهجير المتعمّد في الشيخ جرّاح، وحرب إسرائيل المتكررة على غزة"، ورحبوا بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل، وأكّدوا قراراً سابقا صدر عن مؤتمر النقابات العمالية في عام 2020، وصف نشاط إسرائيل الاستيطاني بأنه جزء من جريمة الفصل العنصري الأبارتهايد التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة.
وعلى أهميته لجهة نصرة الحقوق الفلسطينية، في زمن تراجع عربي مخزٍ، فإن ما جرى في ردهات مؤتمر حزب العمال البريطاني، الأسبوع الماضي، يُشير إلى أهميةٍ لافتةٍ في تعافي الحزب من سطوةٍ صهيونيةٍ أصابته في السنوات القليلة الماضية، واشتدّ فيه النزاع بين التيار اليسار التقليدي والتيار "البليري" الأميل إلى اليمين، وحضرت القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل في صُلب النزاع. وبينما يدعم "لوبي" رجال الأعمال والمتبرّعين الماليين، أغلبهم مؤيد لاسرائيل، تيار زعيم الحزب ورئيس الوزراء السابق، توني بلير، تدعم النقابات المهنية، الكتلة الأوسع في الحزب، تيار اليسار التقليدي، وأبرز رموزه الزعيم السابق للحزب، جيريمي كوربن، الذي يصفه بعضهم بآخر رجال "الحرس القديم" الذين نجوا من عمليات تطهيرٍ اقترفها بلير في صفوف الحزب لإقصاء بقايا اليساريين. وفيما يمثل كوربن وأتباعه جناح "اليسار التقليدي" الذي يسعى إلى إعادة الحزب إلى جذور تأسسيه منذ ما يزيد عن مائة عام، يُمثل أتباع "الطريق الثالث" الجناح البليري الذي يعمل على إعادة الحزب نحو "يسار الوسط" بتخليصه من هيمنة النقابات المهنية.
في صلب الخلاف، يُعلل اليساريون أسباب تراجع الحزب خلال السنوات العشر الماضية بانحراف الحزب الذي تأسس لتحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية ودعم قيم السلام، عن هذه المبادئ، وقمع القيم اليسارية الأصيلة في الحزب، وهو ما أدى إلى تقلّص شعبيته، بعد أن شعرت الشرائح الاجتماعية الفقيرة، التي تشكل القاعدة الأوسع للحزب، بأن الحزب بات أكثر يمينيةً، وأكثر ميلاً إلى تبنّي مصالح الطبقة الغنية، وقيمها الليبرالية الجديدة. في المقابل، يُعيد توني بلير وأتباعه السبب الرئيسي لتراجع الحزب في تخليه (الحزب) عن "الطريق الثالث"، وتخليه عن "العمال الجديد" الذي وضع أساسه بلير في العام 1997.
ولا يقف اللوبي المؤيد لإسرائيل الذي تلقى، الإثنين الماضي، صفعة مهينة، بعيداً عن معركة التنافس داخل حزب العمال البريطاني، ويجاهر منذ 2014، يوم صوّتت أغلبية نواب الحزب لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدانة السياسات الإسرائيلية، بدعم تيار اليمين المؤيد لإسرائيل، ممثلاً بزعيم الحزب الحالي، كير ستارمر، في مقابل حملاتٍ من التشويه والإقصاء تعرّض لها الزعيم السابق، اليساري العتيق، جيريمي كوربن. ومنذ إطاحة الأخير، المُتهم بـ"التسامح مع تفشّي معاداة السامية" داخل الحزب، بات دعم إسرائيل ونيل رضا اللوبي الصهيوني مقياس تمايز للمتنافسين على زعامة الحزب.
في موقف شباب حزب العمال البريطاني المناصر للحقوق الفلسطينية، ومطالبتهم بمقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية، ودعمهم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل، إشاراتٌ قوية إلى تعافي الحزب اليساري من هيمنة كهنة اليمين البليري، وعودة الحيوية إلى حزبٍ اعتقد بعضهم أنه سقط في أحضان اللوبي الصهيوني بلا رجعة.
من المنصف القول إن العودة إلى تبنّي مواقف مناصرة للحقوق الفلسطينية لم تقتصر على حزب العمال البريطاني، فقد شهد حزب الديمقراطيين الأحرار، ثالث أكبر الأحزاب البريطانية في البرلمان، خلال مؤتمره السنوي، الإثنين الماضي، تأييداً لحظر بضائع المستوطنات الإسرائيلية في الأسواق البريطانية، ومنح الفلسطينيين حق زيارة المملكة المتحدة من دون تأشيرة دخول، والالتزام بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين، ومنع الشركات البريطانية من العمل في المستوطنات غير القانونية في الأراضي المحتلة.