نظرية العنب الحامض
أن يخطئ أحد المصلين أمامك في قراءة الفاتحة، لا يعني أنك تكفر بالصلاة. لكن هناك من يحاول أن يوهم بقية المصلين بذلك، حتى تسود حالة الكفر لدى الجميع. وما ينطبق على هذا المثال يمكن أن ينطبق على أمثلة أخرى نعيشها ونتعايش معها يومياً، على الصعيدين، الفردي والجمعي.
في هذا السياق، واستثماراً لمعاني المثال أعلاه، تعيش الكويت، في الآونة الأخيرة، حالة من الصراعات السياسية الحادّة تحت قبة البرلمان، وخارجه أيضاً، نتيجة تراكمات من المشكلات التي لا تخفى على أحد من الكويتيين، ومن المتابعين للشأن الكويتي. وكان من الطبيعي جداً أن تتولّد من تلك الحالة حالاتٌ أخرى للصراعات الفردية التي ترجمها بعض أعضاء مجلس الأمة، بمختلف توجهاتهم وأفكارهم، بمشادّات ونزاعات بأصوات عالية وألفاظ قاسية. ولأن الكويتيين معتادون هذا كله، وما هو أقسى منه، فقد تعاملوا معهم كعادتهم: انتقادات لا تخلو من التفسيرات والتبريرات، وفقاً للقناعات الفردية وللانتماءات السياسية وغيرها. وهكذا تمضي الأمور في نقاشاتٍ مستمرةٍ وجدت لها، في الآونة الأخيرة، بيئة حاضنة في وسائل التواصل الاجتماعي القديمة، قبل أن تظهر منصّة كلوب هاوس التي أسهمت في تسريع وتيرة النقاشات السياسية الجريئة جداً بين الكويتيين، وهو ما سبّب نوعاً من الصدمة لدى متابعيهم من الخليجيين!
ويبدو أن تلك الصدمة لاقت هوىً أو أهواءً في وجدان بعض الحكومات، فاتخذت مما يحدث في الكويت، بشكل مباشر أو غير مباشر، فزّاعةً ضد الديمقراطية أو نموذجها الكويتي المصغر تحديداً. وهكذا، أصبحنا نتابع بعض الخليجيين وهم يسخرون من الديمقراطية الكويتية، لما يرونه من نزاعاتٍ سياسيةٍ حادّة تحت قبة البرلمان، وهي نزاعاتٌ طبيعية في أي بلد يحظى بحراك سياسي متنوع وثريّ، فتجدهم مصدومين من مستوى النقاشات السياسية الكويتية وسقفها العالي جداً، الذي يتجاوز، في بعض أشكاله ومستوياته وصوره، الحدود المتعارف عليها محلياً، خصوصاً أن الجميع يشارك في هذه النقاشات، بغضّ النظر عن أيّ اعتبارات متوقعة.
ولأنهم بلا خبرة على هذا الصعيد تحديداً، ولأسباب أخرى لا مجال لذكرها (لأسباب كثيرة هنا)، يأتون بتعليقات بعيدة عن النقد، وهو مطلوبٌ، وقريبة من السذاجة. أما مَن فوقَهم، فيجتهدون في استغلال ذلك كله، بغرض تخويف الشعوب من أي مستوى من مستويات الديمقراطية! وهكذا تجدهم يعايرون الكويت بملفات تستحق الانتقاد فعلاً، كملفي البدون العالق منذ عقود بلا حل حقيقي، والفساد الذي طفحت قضاياه على السطح أخيراً، وغيرهما. ويتجاهلون أن الديمقراطية، أو نموذجها الكويتي المصغر على الأقل، هو ما سمح لهم بأن يعرفوا أن هناك ملفات عالقة. أما الديكتاتورية، فقد أخفت عنهم ذلك كله في البلدان الديكتاتورية! وأقنعتهم بأن ما يقوله التلفزيون الرسمي هو الحقيقة.
الغريب في هذا السياق، تلك التغريدات والتدوينات والمقالات شبه الموحدة من النخبة والذباب الإلكتروني، على حد سواء، في انتقاد التجربة البرلمانية الكويتية، ما يؤكد أنها شيطنة مقصودة ومدروسة! أما أغراض تلك الشيطنة، فلا تخفى على أحد. ولا تخص الكويت! لكن ما يؤسف له فعلاً، أن يتجاوب الجمهور الشعبي مع سياسة الشيطنة، ويحاول أن يقنع نفسه بأن نقيض المشهد الكويتي، بكل تداعياته الصاخبة والحرة، هو خياره الخاص والحقيقي، وهو ما يبدو تطبيقاً لنظرية حياتية قديمة، تقول إن من لا يطول عنقود العنب سيقول إنه حامض وغير صالح للاستهلاك! لكن الديمقراطية، لسوء حظه على المدى القريب، وحسنه على المدى البعيد، ليست عنبا، وستبقى صالحة للاستهلاك دائماً!