نقابة المعلمين الأردنيين مجدّداً
وحده المتحدّث باسم نقابة المعلمين الأردنيين، المنحلّة، نور الدين نديم، أفاد بأن حكم محكمة استئناف عمّان، أمس، إلغاء قرار حل مجلس النقابة، الذي كانت قد أصدرته محكمة صلح عمان، نهاية عام 2020، يعني عودة النقابة إلى مزاولة نشاطها، بالمجلس نفسِه الذي كان يقودها. ولكن محامي النقابة، الموكّل منها، بسام فريحات، أعلن صدور الحكم القضائي الجديد، والقطعي، و"ردّ الدعوى المقامة لحله لعدم استنادها إلى سند قانوني ولعدم إثبات". ما بدا أن اللغة القانونية الوصفية الصرفة هنا لا تفيد بأن من المفترض أن الشرعية القانونية التامّة عادت إلى نقابة المعلمين الأردنيين، الأمر الذي أوضحه نائب النقيب، ناصر النواصرة، أن "النقابة ما زالت موقوفةً عن العمل، ومجلسها مكتوف اليدين"، وأفاد بأن ما جرى لا يتجاوز ردّ الدعوى في القضية المتصلة بتبرّع النقابة إلى الصندوق الحكومي الخاص بمساعدة المتضرّرين من كورونا، ذلك أن هناك "قضايا أخرى ما زالت منظورةً أمام الاستئناف ومحكمة البداية". والناظر في التصريحات والأخبار الشحيحة التي تواترت بشأن الحكم القضائي المتعلق بواحدةٍ من أربع قضايا منظورة أمام القضاء الأردني، متصلة بالنقابة العتيدة، المنحلّة، يجد نفسَه في "حيص بيص"، ففي وقتٍ يتم الإعلان من هيئة قضائية رفيعة، فهمنا أن أحكامها قطعية بالضرورة، تفيد بما يعني إنهاء قرار حلّ المجلس (وليس النقابة؟)، فإن ثمّة أكثر من التباسٍ يعوزه شرحٌ تفصيليٌّ لإزالته، غير أن الخلاصة أن دار لقمان ما زالت على حالها، وإن طرأ ما يُنبئ بأنها قد لا تبقى كذلك، ما دام الحكم القضائي الجديد يوحي لنا، نحن أصحاب التعاليق المتعجّلة، ومن مثلنا من غير المتخصصين بالقانون، ولا العارفين بمعاجم لغة المحامين والقضاء، بأن متواليةً جديدةً قد تعبر إليها قضية حل نقابة المعلمين ومجلسها الذي كان قد تمّ حبس بعض أعضائه ورئيسه، قبل أن تتم إفراجاتٌ متتاليةٌ عنهم. ولعلّ ما يجيز افتراض انتظار هذه المتوالية قرار مجلس الوزراء، قبل أيام، إعادة تسعة معلمين إلى الخدمة، وكانوا قد أحيلوا إلى التقاعد، في غضون اشتعال أزمة النقابة قبل أكثر من عام.
قبل الذهاب في هذه السطور إلى المأمول، بل المطلوب والملحّ، وموجزُه وجوب عودة النقابة التي ينتسب إليها 140 ألف معلم في الأردن إلى مزاولة عملها وتمثيل أعضائها، يلزم التذكير بأن عُسفا أمنيا جرى، إبّان الحكومة السابقة برئاسة عمر الرزاز، في تعامل السلطة مع النقابة التي لم يُحسِن مجلسها إدارة معركة علاوات المعلمين مع الحكومة، وأخطأ في غير موضع. ولذلك تدحرجت الأزمة إلى مسارٍ لا تزيّد في نعته هنا بأنه كان عُرفيا إلى حدّ ما، وأن الحكومة، في حينه، لم تمارس ولايتها التامة في هذا الملف. وبالتالي، يصير تصويب هذا المسار شديد الضرورة، سيّما في غضون الحديث الكثيف عن إصلاح سياسي وتشريعي عام يُنتظر الشروع به في البلاد، ليس فقط بموجب ما تعد به توصيات لجنة تحديث المنظومة السياسية، بل أيضا لحاجة مكوّناتٍ معلومةٍ في هذه "المنظومة"، وكذا مؤسسات الدولة، إلى إنقاذ نفسها من التآكل الذي لا ينفكّ يتسع في ثقة المواطن الأردني بها. ولمّا كانت استطلاعات المؤشّر العربي (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) سنويا تفيد بتراجع هذه الثقة، وتقدّم الجيش والمؤسسات الأمنية (بما فيها المخابرات) على الثقة بالحكومة والقضاء (دعك من البرلمان!)، فإن أحدث استطلاعات الرأي التي يُنجزها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وقد أعلنت نتائجُه قبل نحو عشرة أيام، أكّد هذا المؤكّد، ولعلّه من الخطير (نعم الخطير) أن تشهد الثقة بالقضاء تراجعا مشهودا.
لا مجازفة في القول هنا إن إجراءات الحلّ والاعتقالات التي طاولت نقابة المعلمين ومجلسها، وهي التي تأسّست في عام 2011، بعد نضالاتٍ مريرةٍ ومنازعاتٍ طويلة مع الحكومات المتعاقبة منذ عقود، ضاعفت من نقصان شعور المواطن الأردني بالثقة في "المنظومة" الحاكمة، وفي السلطة وتمثيلاتها. ومن شأن تأكيد القضاء الأردني استقلاليته، ونأيَه عن أي مؤثرات سياسية وأمنية، إذا ما مضى في اتجاه فكفكة العقد التي ينظر فيها بشأن القضايا المتعلّقة بنقابة المعلمين، من شأن هذا الأمر أن يشيع جرعةً نافعةً في استقبال حديث الإصلاح الأردني بغير التشكيك التقليدي المأثور. ولعل ما جاء به أمس حكمٌ قضائي، على جزئيته ومحدوديته، أن يؤشّر إلى بعض تفاؤل .. لعلّ وعسى.