نوبل وأوسكار وعجائب الجوائز والتكريمات
مقترحان عجيبان ظهرا في مصر في الأيام القليلة الماضية. الأول ترشيح قناة السويس لجائزة نوبل في الاقتصاد، وطرحه مذيع على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد نجاح عملية تحرير السفينة إيفرغيفن التي عطّلت الملاحة في القناة عدة أيام. وكان السبب الغريب وراء المقترح العجيب أن القناة "أنقذت العالم من كوارث اقتصادية"، وأثبتت أنها مهمة للاقتصاد العالمي، بعد أن شلت حركة العالم جرّاء حادثة جنوح السفينة! أي أن المذيع يرى أن قناة السويس يجب أن تحصل على الجائزة، ليس بسبب إنجازٍ حققته، بل بسبب كارثة كادت أن تحدث فيها! وهو ما يذكّر بتقرير نشرته صحيفة مصرية، اعتبر تعطيل الملاحة في القناة حدثا سعيدا، لأنه أوضح أهمية موقع مصر للعالم! وعلى الرغم من أن قناة السويس لا تتحمّل مسؤولية مشكلة جنوح السفينة بالفعل. وعلى الرغم من الجهود المقدّرة التي بذلها المصريون، حتى تمكّنوا من حل المشكلة، إلا أن جائزة نوبل لا تُمنح إلا لمن يقدّم إنجازا أو نظرية اقتصادية جديدة، كما أنه لم يسبق أن حصلت أي جهةٍ على تلك الجائزة، بل تُمنح لعلماء من لحم ودم.
دعت وزارة السياحة إلى منح موكب نقل المومياوات جائزة الأوسكار "لأنه قدّم أجمل وأبهر العروض والرقصات!
المقترح الثاني العجيب ظهر بعد حفل نقل مومياوات ملوك فراعنة إلى متحف الحضارة الجديد. إذ دعت وزارة السياحة إلى منح موكب نقل المومياوات جائزة الأوسكار "لأنه قدّم أجمل وأبهر العروض والرقصات والملابس والموسيقى الفرعونية والتي تليق بعظمة الأجداد وعراقة الحضارة المصرية". كما اقترحت إحدى عازفات الحفل منح فريق الأوركسترا ومنح العازفين الجائزة نفسها، ولم توضح الوزارة في أي فئة يمكن أن يمنح الموكب تلك الجائزة، وما علاقة جائزة الأوسكار المخصصة لأفلام السينما أصلا بنقل المومياوات، وهو ما يذكّر بجائزة كانت تنظمها الجمعية المصرية لفن السينما اسمها "أوسكار السينما المصرية"، ولا علاقة بها بجائزة الأوسكار العالمية. والمؤكّد أن فوز موكب نقل المومياوات بالجائزة المصرية سيكون أكثر واقعية، وأقل عبثية من مقترح الترشّح للجائزة العالمية.
يعيد هذان المقترحان تسليط الضوء على ظاهرة فوضى الجوائز والتكريمات في مصر والوطن العربي، والتي يعتبر كثير منها وهمية، ففي عام 2015، نشرت وسائل إعلام مصرية خبرا يزعم إن "منظمة الأمم المتحدة للفنون" ترشّح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لجائزة نوبل للسلام. وأرجعت المنظمة سبب ترشيحها "لما قدّمه من أعمال خدمت السلام، إذ أنه أنقذ شعبه من خطر محدق، وانصاع لرغبة شعبه وإرادته في ثورته 30 يونيو وكافح إرهاب المنطقة". ليتضح بعد ذلك أنها منظمة وهمية، ولا علاقة لها بالأمم المتحدة. وفي العام التالي، اشتهر طالبٌ في جامعة الأزهر، بعدما أعلن فوزه بلقبي "أفضل قارئ" و"أفضل مبتهل للابتهالات الدينية" في مسابقة القرآن العالمية في ماليزيا، وكرّمته عدة جهات، ثم تبين أنه لم يشارك في المسابقة من الأصل.
نشرت وسائل إعلام مصرية خبرا يزعم إن "منظمة الأمم المتحدة للفنون" ترشّح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لجائزة نوبل للسلام
جوائز أخرى عجيبة، على الرغم من أنها نظريا تأتي من جهاتٍ خارجية، مثل جائزة "أفضل وزير مالية لعام في أفريقيا وآسيا"، وتمنحها مجلة تسمى أفريكان بانكر، وهي على ما يبدو محاولة من المجلة لتقليد مجلة ذا بانكر العالمية، إذ منحت تلك الجائزة عام 2009 لوزير المالية المصرية حينذاك يوسف بطرس غالي! وفقا لما زعمت إنه نتيجة استفتاء قامت به. ووجه الغرابة هنا أن غالي كان أحد أسباب تدهور الاقتصاد المصري إلى درجةٍ أدّت إلى اندلاع الثورة بعد منحه تلك الجائزة بعامين، كما حوكم بعد الثورة في قضايا فساد، لكنه تمكّن من الهرب.
وهناك جائزة "أفضل محافظ بنك مركزي عربي" التي يمنحها اتحاد المصارف العربية، إذ إن الأحوال الاقتصادية والمالية للدول العربية بائسة بشكل مزر، ما يجعل منح مثل تلك الجائزة يثير الضحك والسخرية، ولا يجب أن يتم التعامل معه بأي جدّية. وأكبر دليل على ذلك أن الجائزة منحت عام 2017 لمحافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، "تقديراً لجهوده في ضبط السياسة النقدية في مصر"، وذلك بعد عام من قرار تحرير الجنيه المصري الذي أفقده أكثر من نصف قيمته! ويبدو أن مقترح منح جائزة نوبل للاقتصاد لقناة السويس، بعد تعطيل الملاحة العالمية، وشل حركة التجارة العالمية، جاء من العقلية نفسها التي قرّرت مكافأة محافظ البنك المركزي بعد فقدان الجنيه قيمته! تلك العقلية التي كرّمت الراقصة فيفي عبده باعتبارها أمّا مثالية!