هدايت تيمور أو زوجة هيكل
الجديدُ شحيحٌ في الذي جاءت به، أخيرا، بعضُ الصحافة المصرية من إضاءاتٍ على سيرة محمد حسنين هيكل، في احتفالياتٍ بمئوية ميلاده (23 سبتمبر/ أيلول). ولكن قولا كهذا يخصّ الذين لاحقوا التفاصيل الثريّة في حياة الأستاذ (لقبٌ مستحقّ خُلِع عليه)، وطالعوا كتبه ومئاتٍ من مقالاته ومقابلاته وأحاديثه ومحاضراته وإطلالاتِه التلفزيونية، وصاحب هذه الكلمات من هؤلاء، فيجوز القول إن في الذي نُشر عن هيكل، في المناسبة، نفعا مؤكّدا لغير أولئك. ويلزم أن تُستعادَ تجربةُ أبرز كاتب صحفي عربي المهنيّة والصحفية والسياسية والفكرية دائما، أمام كل جيل، وإنْ يحسُن أن يتوازى هذا مع مراجعاتٍ ومساءلاتٍ تقف عند ما قد يَرى فاحصٌ أو كاشفٌ ما يستحقّ المؤاخذة والنقد والانتقاد والمخالفة، فهذا لا يُنقِص من "أسطورة" هيكل، ولا يلغي الإعجاب الباهظ بملَكاتِه، ومن هذه أنه كان "حكّاءً نادرا"، على ما وصفَه محقّا يوسف القعيد.
ما أنجزاه، فريق ملحق صحيفة الأهرام الأسبوعي، في إعداد ملفٍّ عن "الأستاذ"، وفريق الفيلم الوثائقي "هيكل... سيرة الأستاذ"، الذي عَرضت قناة الوثائقية الجزء الأول منه (متى يُعرض الثاني؟) مقدّران. وإذ استُضيفت في كليهما، الملفّ والفيلم، زوجة هيكل، مدام هدايت تيمور، فهذا جديدٌ ومحلّ تثمين. وفي البال إن الأستاذ كان يذكُر، في أحاديث مسترسلةٍ، عن رفقتها معه في زياراته مسارح ومتاحف ودور أوبرا في بلادٍ عديدة، وجاء في واحدةٍ من أولى حلقات "مع هيكل" في قناة الجزيرة (بقيت 12 حلقة محفوظةً لم يجر بثّها) على زواجه في العام 1955. وصحيحٌ أنها المرّة الأولى تطلّ فيها مدام هدايت على شاشة تلفزيونية، كما روّجت القناة المصرية، والمرّة الأولى الذي تتحدّث فيه إلى صحيفة (على الإطلاق، كما كتبت المُحاوِرة يسرا الشرقاوي). وحسنا أن موقع "الأهرام" يسّر فيديو للمقابلة. وليست غواية البحث في الحياة الشخصية للمشاهير والنجوم ما استوقف كاتب هذه المقالة (العجولة؟) عند زوجة هيكل في الملفّ والفيلم، وإنما هي رغبةٌ في الوقوع على الشخصيّ الحميم، الذي قد يُسعف في الوقوف على بعض مفاتيح شخصيةٍ جذّابة، ذات جدارةٍ عالية، ولفهم ما ربما ساعدَه، في منزله وبين أسرته، على النجاح والتألّق اللذيْن كان عليهما "الجورنالجي" الراحل.
تقول هدايت تيمور إنها لم تساعد زوجَها في شيء، "كل ما بذلتُه أني عملتُ على راحته، ولعبتُ دوري زوجا وأمّا". وأظنّ أن هذا الدور بالضبط، بصفته التي تحكي عنه المدام، هو أنفع ما تؤدّيه الزوجة لزوجها، الطموح الشغّيل المُنتِج النشط. وبذلك يصير ما تقوم به أكبر مساعدةٍ له، وإنْ هيكل "ما شاء الله، يعمل كل شيءٍ وحده"، كما قالت. وقد يستقبل بعضٌ تعريفَ السيدة الثمانينية، وهي تتحدّث مبتسمةً غالبا، نفسَها إنها "هدايت تيمور، لكن أهم حاجة أنني زوجة الأستاذ محمد حسنين هيكل"، على غير محمله، أنها تلغي ذاتها، في مقابل اعتزازِها بصفتها زوجة رجلٍ شهير. ولكن الأمر ليس هكذا، فزوجها هذا هو من شجّعها على إكمال دراستها الثانوية التي توقّفت عنها عند زواجهما، ثم "وجّهها" (مفردُتها) إلى دراسة الآثار الإسلامية، بعد أن لاحظ انبهارََها بآثار شاهدتها في غير بلدٍ زاروه (سورية مثلا)، وتقول، وهي التي تحمل الماجستير، "أجاد اختيار الاختصاص الذي يناسبني".
تُخبرنا السيدة أن هيكل كان يحبّ صوتي وردة وفايزة أحمد، ويفضّل الموسيقى الكلاسيكية (يمتلك من أسطواناتها مكتبةً ثريّة)، وإن صداقته أم كلثوم وثيقة جدا. لم يكن يحبّ مشاهدة التلفزيون كثيرا. كان صارما في مواعيده، وحريصا على احترام الوقت وتنظيمه. كان لا يُظهر مشاعره كثيرا، أو ينفعل بشكل زائد، سوى في مرّاتٍ قليلةٍ فعلها، و"نكسة 1967 كانت من هذه المرّات القليلة، ولكنه سرعان ما تمالك نفسه، وشرع في العمل كما يجب أن يكون".
لم تأت مدام هيكل على انزعاج بدرَ منها لمّا صار شهر العسل في أسوان بعد حفل الزواج أسبوعا، وكان قرارُهما أن يكون شهرا، بعد مكالمةٍ من الرئيس جمال عبد الناصر (أحد شاهديْ الزواج مع علي أمين) يطلب من هيكل العودة إلى القاهرة. ولم تتحدّث عن انزعاجٍ صارت عليه لمّا حدّث عبد الناصر هيكل هاتفيا في 1957 ليُصبح وزيرا، ورفض، مستغربا من حاله أن يصير وزيرا، لأنه "ما يِنفعْش" لعملٍ كهذا.
لم تُفض مدام هدايت تيمور (وليست مًطالبةً بأن تفعل) بأيٍّ من وقائع زعلٍ أو غضبٍ أو عتبٍ قد تحدُث بين زوجين، ولم تسألها الصحفية عن شيءٍ منها. أفضت بحميميٍّ كثير، وتعرّفنا على هيئتها وبشاشتها "وعشقِها" (كما قالت) زوجَها محمد حسنين هيكل.