07 نوفمبر 2024
هذا الحال العربي
عندما يُضطّر النجم السوري، جمال سليمان، لنشر مقالٍ يُسهب فيه بتوضيحٍ عن عاديّة مصافحته زميلةً له، ممثلةً سورية مواليةً قادمة من دمشق، ودردشته معها، في مهرجان سينمائي مصري، ردّا على الذين استنكروا فعلته هذه، فذلك يعني أن الحالة السورية أكثر سوءا مما نعرف. وعندما تتبارى فضائياتٌ مصريةٌ على استضافة شابّةٍ، نجحت في التقاط صورة سيلفي لها مع عبد الفتاح السيسي، لمحاورتها بشأن هذا الإنجاز، فذلك من كثيرٍ يعني أن الإعلام المصري أثقل رثاثةً وركاكةً مما نعرف. وعندما يتفاصح موظفٌ في بعثة البحرين في الأمم المتحدة، فيتّهم، في جلسةٍ معلنةٍ، دولة قطر بالعبث في أمن بلاده، فذلك يعني أن استعصاء نوبات الحماقة في الأداء السياسي الرسمي العربي أشدّ مما نعرف. وعندما يقول رئيس موريتانيا، محمد ولد عبد العزيز، إن إسرائيل أكثر إنسانيةً من حركات الإسلام السياسي، فذلك يعني أن ابتلاء الأمة العربية بحاكمين فيها أكثر عُسرا مما نعرف. وعندما يُناكف رئيس دولة فلسطين، محمود عبّاس، حركة حماس، أمام العالم في الأمم المتحدة، فذلك يعني أن الحالة الفلسطينية في قاعٍ أوطى كثيرا مما نعرف. وعندما يشهد مطار بيروت توتّرا بين جهتين عسكريتين مكلّفتين بحمايته وأمنه، عند نقاط تفتيش فيه، فذلك يعني أن أرطال الفلكلورية في البحث عن دولةٍ في لبنان أكثر مما نعرف. وعندما يستقبل أردنيون وزراءَ في حكومة بلدهم، في غير مدينةٍ، برفض سماع حديثهم عن تعديلات على قانون الضرائب، وبإعلاء الصوت عليهم، وعدم احترامهم، فذلك يعني أن نقصان اعتبار الدولة ومكانتِها بين الأردنيين أعرضُ كثيرا مما نعرف.
.. في الوُسع أن يسترسل واحدُنا أكثر وأكثر في رصد وقائع أكثر وأكثر، تؤشّر جميعها إلى عطبٍ مريعٍ في أحوالنا في بلادنا العربية، سياسةً واجتماعا واقتصادا، إلى حد أن الفرد العربي (هل نسميه المواطن؟) في حاجةٍ ملحّةٍ، كل لحظة، إلى حماية نفسِه من اليأس الذي تُراكمه غزارة مقادير التمويت والتهديم قدّامه، لبشرٍ وأوطان ودول، وكذا الانتحار الذاتي الذي تمضي فيه كياناتٌ سياسيةٌ عربيةٌ، ومؤسّسات حكم، وبنياتُ دول، بسبب متاهاتٍ غائمةٍ يحترف الدورانَ فيها حاكمون وصنّاع قرار ومسؤولون، فلا يذكّرون، وهم في حالهم الرثّ هذا، بغير ثيران السواقي التي تتوّهم أنها تسير إلى ما لا نهاية إلى الأمام، فيما هي تدور حول نفسها. وهذا واحدٌ من توصيفاتٍ وفيرةٍ يمكن رميَ الحال العربي بها، كلها تسوقُ إلى حيث الشحوب والبيات.
تتفشّى بين الشباب العربي الرغبة بالهجرة، وتتسيّد مشاعر الخوف والإحباط في غير بلد. ولا تعني السلطةُ في مصر غير الفشل والترهيب والكذب. ولا يعود ثوبُ الدولة الكبرى مناسبا للعربية السعودية، عندما تنشط في المكائد الصغيرة، ولا تفلح في أيٍّ مغامرةٍ طائشةٍ تمضي إليها، وتسوء سمعتُها حقوقيا وسياسيا، ولا تستطيع عائلاتٌ وافدةٌ الإقامةَ فيها بعد رسومٍ تتزايد، ودخولٍ تتناقص، وغلاءٍ يزيد، ومناخٍ عام يُزعج. والبلدان، مصر والسعودية، مفترضٌ أنهما عمودان في الأمة، كما سورية والعراق اللذان لا يحتاج الجاري فيهما إلى إيضاحٍ، حيث تآكلُ الدولة والكيان والمجتمع فيهما مروّع، ويُنبئ عن مستقبلٍ مقلقٍ في مشرقٍ عربيٍّ متصدّع.
لا مشروع عربيا جامع، ولا فكرة أو حلم يعتصمُ بهما الناس. ثمّة وحولٌ من التخلف والتطرّف والإرهاب. وثمّة تردّي التعليم في الجامعات، وتعاظُم الزعرنةِ في المجتمعات. وثمّة سرعةٌ مفزعةٌ في الركض القهقرى إلى الوراء، لعل المقطع اللبناني في المشهد العربي العام يدل عليها، كما هو البؤس الذي يمكث فيه الفلسطينيون، حيث تجد فصائلُ وحركاتٌ فائضا من الترف للتنازع على شرعياتٍ مُضجرة. ومن الجزائر، تتوالى أخبارٌ تبعث على الكآبة، أو أقلّه الحزن، إذ تتيبّس الحياة السياسية، وتختنق مسارب التجديد فيها. وفي تونس، ثمّة عبثٌ كثير، تنخرط فيه النخبة الحاكمة، وأوساط الحقل الحزبي، يسوّغ تحسّبا من مستجدّاتٍ قد تطرأ، لا قدّر الله، في هذا البلد الذي كان قد أيقظ جذوة تفاؤلٍ غافيةً في البدن العربي، غير أن هناك من استنفروا، موتورين، من أجل هزيمة روح التفاؤل تلك، فبتْنا في حالة ردّة عما كانت تقوله حناجر عربٍ ثائرين، وعدوا أنفسَهم بأوطانٍ أجمل.. ولكن، التاريخُ موجاتٌ، والتفاؤلُ باقٍ في جوانحنا بأن تسقط ثيران السواقي في مطارحها.
.. في الوُسع أن يسترسل واحدُنا أكثر وأكثر في رصد وقائع أكثر وأكثر، تؤشّر جميعها إلى عطبٍ مريعٍ في أحوالنا في بلادنا العربية، سياسةً واجتماعا واقتصادا، إلى حد أن الفرد العربي (هل نسميه المواطن؟) في حاجةٍ ملحّةٍ، كل لحظة، إلى حماية نفسِه من اليأس الذي تُراكمه غزارة مقادير التمويت والتهديم قدّامه، لبشرٍ وأوطان ودول، وكذا الانتحار الذاتي الذي تمضي فيه كياناتٌ سياسيةٌ عربيةٌ، ومؤسّسات حكم، وبنياتُ دول، بسبب متاهاتٍ غائمةٍ يحترف الدورانَ فيها حاكمون وصنّاع قرار ومسؤولون، فلا يذكّرون، وهم في حالهم الرثّ هذا، بغير ثيران السواقي التي تتوّهم أنها تسير إلى ما لا نهاية إلى الأمام، فيما هي تدور حول نفسها. وهذا واحدٌ من توصيفاتٍ وفيرةٍ يمكن رميَ الحال العربي بها، كلها تسوقُ إلى حيث الشحوب والبيات.
تتفشّى بين الشباب العربي الرغبة بالهجرة، وتتسيّد مشاعر الخوف والإحباط في غير بلد. ولا تعني السلطةُ في مصر غير الفشل والترهيب والكذب. ولا يعود ثوبُ الدولة الكبرى مناسبا للعربية السعودية، عندما تنشط في المكائد الصغيرة، ولا تفلح في أيٍّ مغامرةٍ طائشةٍ تمضي إليها، وتسوء سمعتُها حقوقيا وسياسيا، ولا تستطيع عائلاتٌ وافدةٌ الإقامةَ فيها بعد رسومٍ تتزايد، ودخولٍ تتناقص، وغلاءٍ يزيد، ومناخٍ عام يُزعج. والبلدان، مصر والسعودية، مفترضٌ أنهما عمودان في الأمة، كما سورية والعراق اللذان لا يحتاج الجاري فيهما إلى إيضاحٍ، حيث تآكلُ الدولة والكيان والمجتمع فيهما مروّع، ويُنبئ عن مستقبلٍ مقلقٍ في مشرقٍ عربيٍّ متصدّع.
لا مشروع عربيا جامع، ولا فكرة أو حلم يعتصمُ بهما الناس. ثمّة وحولٌ من التخلف والتطرّف والإرهاب. وثمّة تردّي التعليم في الجامعات، وتعاظُم الزعرنةِ في المجتمعات. وثمّة سرعةٌ مفزعةٌ في الركض القهقرى إلى الوراء، لعل المقطع اللبناني في المشهد العربي العام يدل عليها، كما هو البؤس الذي يمكث فيه الفلسطينيون، حيث تجد فصائلُ وحركاتٌ فائضا من الترف للتنازع على شرعياتٍ مُضجرة. ومن الجزائر، تتوالى أخبارٌ تبعث على الكآبة، أو أقلّه الحزن، إذ تتيبّس الحياة السياسية، وتختنق مسارب التجديد فيها. وفي تونس، ثمّة عبثٌ كثير، تنخرط فيه النخبة الحاكمة، وأوساط الحقل الحزبي، يسوّغ تحسّبا من مستجدّاتٍ قد تطرأ، لا قدّر الله، في هذا البلد الذي كان قد أيقظ جذوة تفاؤلٍ غافيةً في البدن العربي، غير أن هناك من استنفروا، موتورين، من أجل هزيمة روح التفاؤل تلك، فبتْنا في حالة ردّة عما كانت تقوله حناجر عربٍ ثائرين، وعدوا أنفسَهم بأوطانٍ أجمل.. ولكن، التاريخُ موجاتٌ، والتفاؤلُ باقٍ في جوانحنا بأن تسقط ثيران السواقي في مطارحها.