هذيان في زمن الزلزال
للزلازل قدرة على التأثير عن بُعد. كأنك، حتى وإن كنتَ تقيم في بلدان بعيدة عن مركز تحرّك الصفائح التكتونية، محكوم نفسياً بالاهتزاز الحاصل. العولمة ووسائل اتصالها تضعك في قلب الحدث بنقرة فيديو. تزداد درجة انعدام توازنك إن كان أحباؤك يقطنون قرب عين الكارثة، لكن حتى ولو كانوا بأمان، بمجرد أن تفكر بتلك الظاهرة العجيبة، فإنك تصاب بكل أنواع الاستسلام. تفكّر بدرجة عجز البني آدم أمام شيء كهذا. العجز في حالته الخام: لا شيء بتاتاً يمكنك فعله إزاء رقصة الأرض الدموية. هي ترقص وما فوقها يفنى. تفكّر بضرورة عدم المبالغة في التعامل بجدّية مع هذه الرحلة المسمّاة حياة. ما يشبه الحرب الأهلية قد تدور رحاها في دماغك. تقول إن الزلزال "عادي"، فكما يقول العلماء هو علامة على أن كوكب الأرض لا يزال حياً. ثم تستعجل شتم العلماء: وما جدوى كونٍ حيّ إن كان سيخنق الأحياء القاطنين فيه؟ سؤال على وزن: ما جدوى تحرير الأرض إن كان أهلها سيموتون؟
تشاهد فيديوهات سوريين من ضحايا سلسلة زلازل شهر فبراير/ شباط، فتحاول أن تهوّن الأمر على نفسك بالتأمل في أكثر الأفكار عبثية. تتمتم في سرّك إن بشار الأسد قتل في غضون لحظات 1400 شخص في مجزرة دوما الكيميائية من دون أن يرفّ له جفن، وعدد من قُتلوا بسبب الأسد والمجرمين من داعميه في إيران ولبنان وروسيا والعراق قد يناهز نصف المليون. ألم تتعدّد الأسباب ليبقى الموت واحداً؟ كلا، الموت ليس واحداً، فمثلما كتب كثيرون، هذا الزلزال الطبيعي من ذاك الزلزال الأسدي. هذه الكثافة السكّانية من مهجرين محشورين في البقعة المتضرّرة من شمال غربي سورية سببها بشار الأسد أولاً. هذه الأبنية التي زادت سرعة سقوطها من عدد ضحايا الزلزال، سبب تصدّعها براميل بشار الأسد وصواريخ الروس. هؤلاء السوريون الكثر الذين قُتلوا في هاتاي وغازي عنتاب وغيرهما من مناطق تركية هم لاجئون هاربون من القتل الأسدي. الأسد يحاصر السوريين حتى في زلزالهم الطبيعي. أما الذين يتذاكون وينسبون للأسد الفضل بانخفاض عدد القتلى في سورية نسبياً نظراً إلى أن كثيرين يقطنون في خيم، فإنما هؤلاء يجهلون أن أهل الخيم تلك، كثر منهم يتمنون لو يرتاحون أبدياً من جحيم إقامتهم، بزلزال أو بغيره. كثر من هؤلاء يرددون اليوم: من ماتوا كلهم بخير، إلا نحن.
حسناً، كفى مظلومية. الزلازل وبقية الكوارث الطبيعية ليست حكراً على السوريين. في إندونيسيا وحدها قُتل ربع مليون شخص في تسونامي 2004. إعصار بنغلادش 1970 أخد معه نصف مليون بشري. زلزال هاييتي 2010 سرق نحو 300 ألف روح... وكأنها مسابقة للفقراء على موتهم. لماذا إذاً التركيز على الآلاف الستة أو السبعة أو الثمانية من السوريين الذين خطفت الأرض أنفاسهم؟ لأن السوريين كلما بلغوا قاعاً من البؤس يعزّون أنفسهم بالقول إنه يصعُب أن تمرّ عليهم ظروف أسوأ من تلك التي يعيشونها حالياً. وفي كل مرّة، يكونون مخطئين. انظروا إلى بشّار الأسد ينتشي بانتصاره بفضل الزلزال وبتسابق المتعاملين معه كرئيس فعلاً. اسألوا وزير الخارجية السعودي الذي استشهد بالزلزال ليُخبرنا بأنه يجب أن يُعاد النظر بمبدأ عزل الأسد. اسألوا حكّام الإمارات وعُمان والأردن والجزائر ولبنان وبقية المسارعين العرب إلى تعزية الأسد ودعمه في أوقات استراحته من القهقهة وتوزيع الضحكات في حلب المنكوبة. استمعوا إلى ذلك المسخ العراقي المسمى أبو فدك المحمداوي الذي شدّ بشار الأسد على يده في حلب يوم الضحكات الشهيرة. استمعوا إليه وهو يطلب من ضابط سوري "أي وحدة (سيدة سورية) تمشي (تنفع) عندنا".
استمعوا جيداً إلى أبو فدك، انصتوا إلى ضحكات بشار الأسد، قارنوا الأصوات الصادرة عنهما بصوت تلك الطفلة السورية ابنة السنوات التسع التي تطمئن طبيبها المتطوع الأجنبي إلى أنه ذاهب إلى الجنة لأنه أنقذها هي وأهلها واهتم بهم "ولم يتكبر عليهم". قارنوا جيداً ما بين الأصوات والعنوا الزلزال وبنك أهدافه. أهدافك هناك أيها الزلزال، بالتأكيد بعيداً عن طفلة الجنّة.