هشام جعفر .. كرّاسات السجن
ما الذي تفعله الدولة في مصر، وغيرها من بلدان الربيع العربي؟ وكيف استطاعت أن تفعله؟ ولماذا؟ وهل حققت نجاحا حقيقيا؟ ما الذي يفعله الإسلاميون، في الدعوة والسياسة والحكم والمعارضة، ولماذا فشلوا، وكيف يمكنهم العودة والنجاح؟ ما الذي يفعله العلمانيون، القوميون والليبراليون واليساريون، وما الفارق بينهم؟ ما الذي يحدُث في الإقليم، وما الذي يحدُث في العالم من حولنا، وكيف نفهم واقعنا لنغيره؟
أسئلة كثيرة شغلت بال الباحث السياسي، هشام جعفر، في محبسه الاحتياطي، الذي استمر أكثر من ثلاث سنوات، بالمخالفة للقانون، وخرج جعفر ليتابع ما يجري، ويقرأ ما فاته، ويبثّها أفكاره، وتأملاته، وخلاصاته، في كتاب صغير، وعبارة سهلة، وصياغاتٍ مكثفة، ومشعّة، تفكر للمستقبل وبه، والأهم أنها أفكار لوطن، لا لطائفة أو حزب أو فريق أو فصيل، أو أصحاب قوة وسلطة .. وهذا هو هشام جعفر كما عرفناه، وتعلّمنا منه، لم يغيّره السجن، كما يحدُث مع مثقفين آخرين، بل زاده الحبس إيمانًا بالحرية، وفهما لها.
يجيب هشام جعفر، بعد استقراء لواقعنا، المحلي والإقليمي والدولي، ويخلص إلى بعض آليات الدولة الحديثة في تصفية خصومها، وتهيئة قطاع كبير من الرأي العام لقبول ذلك وتمريره، منها: نزع الإنسانية عن المختلف، فهو ليس إنسانا مثلنا، (خروف - زومبي -... إلخ) تليها نزع المواطنية، فهو ليس مصريا مثلنا، "احنا شعب وأنتوا شعب"، ثم استخدام مفاهيم الحرب، والأمن القومي، الأمر الذي يجعل من العنف، والقتل، والانتهاكات القانونية، أمرًا مبرّرا في حق الآخر "الشيطان" وفي ظروف "الحرب" والحفاظ على "الدولة" و"الأمن القومي"!
ينتقل جعفر، في الفصل الثاني، إلى مناقشة علاقة الإسلاميين بالانتفاضات العربية. ويشتبك، وهو واحد من أبناء الفكر الإسلامي، مع تجارب الحركات الإسلامية، على تنوّعها، في الموجتين، الأولى والثانية، من الربيع العربي، وينتهي، بعد تحليل طويل، إلى جملة من النتائج، أهمها أن الإسلاميين، مثل غيرهم، يمارسون السياسة بحثا عن مصالحهم، وليس أفكارهم أو انحيازاتهم الأيديولوجية، وأن الربيع العربي، بموجتيه، كشف، بما لا يدع مجالا للشك، أنهم لا يملكون مشروعا فارقا للسلطة، وأنهم ليسوا بديلا للدولة العربية المتأزّمة، بل على العكس، فإن مشروعهم يزيد الواقع مأساوية، فهو مشروعٌ منفصلٌ بقدر كبير عن متطلبات الواقع، يميل في معظمه إلى الشعاراتية، التي لا تدعمها برامج ومشاريع واضحة للحكم.
ويكشف هشام جعفر عن تناقضات كبرى في مشروع الحركات الإسلامية، لا سيما في مصر، خطاب يتجاوز الفروق الطبقية، وسياسات تسلم الجماعة إلى طبقة بورجوازية بعينها، تعرف ما لا يعرفه الآخرون، وتختار لهم، وهو ما أنتج ثقافةً دينيةً ريفية، وانحيازات اقتصادية نيوليبرالية، لا تختلف عن انحيازات دولة حسني مبارك التي قامت الثورة لمقاومتها!
يستمر جعفر في مطاردة المفارقات والتناقضات المرعبة في بنية المشروع الإسلامي الحركي وخطاباته وسياساته ورهاناته. وفي السياق، يشير إلى نقطة محورية، بالغة الأهمية، أن تحويل الدين، بما يحمله من إمكانات تأويلية كبيرة، إلى مشروع للسياسة والحكم، يدفع بدوره إلى توفير بيئةٍ خصبةٍ لتبرير التناقضات وتمريرها، وهو ما تكشّف عنه تجربة الإخوان المسلمين التي انتقلت من "اشتراكية الإسلام" في بدايات القرن العشرين إلى الليبرالية في نهاياته ثم إلى النيوليبرالية في القرن الحادي والعشرين، وقل مثل ذلك في الانحيازات السياسية والاجتماعية والدينية .. وهم في ذلك كله ينطلقون من مبرّرات دينية.
ويرى جعفر أن استقراء تاريخنا الحديث ينبئنا بأن الديمقراطية هي الحل، وهي الضمانة الحقيقية للجميع، "فلا نهضة من غير ديمقراطية (تجربة محمد علي)، ولا استقلال وطنيا من غير ديمقراطية (تجربة سعد زغلول)، ولا وطنية من غير ديمقراطية (تجربة جمال عبد الناصر)، ولا محافظة على مكاسب الحرب من غير ديمقراطية (تجربة أنور السادات)، ولا توزيع عادلاً لموارد التنمية من غير ديمقراطية (تجربة مبارك)، ولا حفاظ على الدولة الوطنية من غير ديمقراطية (تجربة نظام 3/7) ولا إسلام من غير ديمقراطية (تجربتا البشير وآل سعود وغيرهما كثير).