هل العقوبات الأميركية المحاولة الأخيرة في السودان؟
أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، 28 سبتمبر/ أيلول الجاري، عقوباتٍ على شركة جديدة تتبع لقوات الدعم السريع، وعلى زعيم الحركة الإسلامية السودانية علي كرتي الذي تقلّد سابقاً وزارة الخارجية السودانية، ووصفته واشنطن بانه أحد من يعرقلون التوصل إلى عملية سلام بين الطرفين المتحاربين في السودان... وبهذا تكون العقوبات الأميركية قد طاولت القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، في 6 سبتمبر، وقبله عدة شركات تابعة لقواته، ويديرها شقيقه الأصغر القوني دقلو، ومؤسّسة المنظومات الدفاعية التابعة للجيش السوداني في الأول من يونيو/ حزيران الماضي، وقبلهم قوات الاحتياطي المركزي في مارس/ آذار 2022، بتهمة ارتكاب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في مواجهة المظاهرات السلمية الرافضة للانقلاب العسكري.
هددت الولايات المتحدة، في الشهور الخمسة الماضية، أكثر من مرّة، بإعلان من يعيقون عملية سلام السودان، وتعقّبهم بالعقوبات. وفي الأثناء، أعلنت الموظّفة السابقة في البيت الأبيض جانيت إلجوت، في مقابلة، أن الأسماء التي ستطاولها العقوبات ستكون رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ومستشاره السابق ياسر سعيد عرمان، والملياردير السوداني محمد إبراهيم (مو)! وهي أسماء لم يوجّه لها أي اتهام، إلا من فلول نظام عمر البشير وتنظيم الحركة الإسلامية الذي يقوده علي كرتي، وإعلامهم!
بإعلان عقوبات الخميس، تكون الإداراة الأميركية قد وجهت الاتهام إلى الجهات الثلاث المنخرطة في الحرب. الجيش السوداني، والدعم السريع، والحركة الإسلامية السودانية. وهي عقوباتٌ تخصّ عرقلة السلام، وتختلف عن اتهامات جرائم الحرب الموجّهة إلى قوات الدعم السريع نتيجة جرائمها في إقليم دارفور فقط، من دون النظر إلى ما ارتكبته من فظائع في الخرطوم. يتوقع محلّلون كثيرون أن أسماء أخرى ستُعلن واشنطن وقوعها تحت العقوبات قريباً، وربما تكون هذه المرّة من العسكريين في الطرفين، خصوصا مع ما يتردّد عن عدم اتحاد رؤية بعض قيادات الجيش حول عملية التفاوض ووقف الحرب. ولعل ذلك ما أوحى به قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في جولاته الخارجية، إذ زار دولا في الجوار ذات مصالح في السودان، لكنه تأخر عن زيارة السعودية، مخيّباً توقعات كثيرين أنه خرج من حصاره في قيادة قوات الجيش ليأخذ قرار السلام. لكنه يبقى قراراً خطراً إن لم تتّحد عليه قيادة الجيش، فالوضع الهشّ للبلاد، في حربها وسلمها، لا يحتمل أي شقاقٍ في القيادة العسكرية.
على الجانب الآخر، أظهرت قوات الدعم السريع ترحيبها بالعقوبات الأميركية على زعيم الحركة الإسلامية، وعدّت ذلك انتصاراً لسرديّتها أنها تحارب فلول نظام البشير والمتطرّفين الإسلاميين. لكن هذا تحليل يصعب الاتفاق معه، ولا يكاد يكون صحيحاً، فالعقوبات تعترف بدورٍ نافذٍ للحركة الإسلامية في حرب السودان، لكنها أحد أطراف ثلاثة، أحدهم "الدعم السريع" نفسه، تتصارع وتطيل أمد الحرب.
حتى كتابة هذا المقال، لم تعلّق الحكومة العسكرية في بورتسودان على هذه العقوبات. والتي يبدو ظاهرها مخالفاً لتأكيدات البرهان في مخاطباته الجماهيرية، وفي لقاءاته الخارجية، وفي الأمم المتحدة، عن عدم وجود أي دور أو نفوذ للحركة الإسلامية في الجيش، وهي تأكيداتٌ تكذّبها مجموعات المتطوّعين من الإسلاميين المحاربين في صفوف الجيش، وهم قواتٌ مدنيةٌ حسنة التدريب، وذات قيادة تابعة للحركة الإسلامية. وقد نعى زعيم الحركة علي كرتي أحد مقاتليها، الشاب محمد الفضل، الذي سقط في إحدى المعارك.
لا تبدو مساحة الحركة واسعة أمام المجتمع الدولي لمزيد من الضغوط الناعمة، خصوصا بعدما وصلت المواجهات بين السودان والمجتمع الدولي إلى مراحل متقدّمة، فاضطرّ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس لتقديم استقالته، بعد رفض الجيش التعامل معه، ووجّهت الحكومة العسكرية تهديدات للاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد بالانسحاب منهما. كما أن الخطر على الإقليم يتزايد مع تزايد أعداد النازحين، ومع انخراط مزيد من القبائل في الصراع مؤيدين للجيش أو متحالفين مع "الدعم السريع" في غرب السودان. لذلك قد تكون العقوبات آخر المحاولات الناعمة لاجبار أطراف الصراع على الجلوس للتفاوض في جدّة، فإن فشلت فسيكون السودانيون أمام خياراتٍ شديدة الخطورة.