هل تحمل منازلة "الأحد الكبير" للبنان التغيير؟
يتوقع أن يشهد لبنان في الانتخابات البرلمانية، يوم الأحد 15 مايو/أيار الجاري، منازلة حادّة بين الاتجاهات السياسية المتصادمة في لبنان، والتي بنت تحالفاتها الانتخابية على المصالح الآنية الخارجة عن أي أساسٍ مبدئي، وسط انقساماتٍ سياسيةٍ وطائفيةٍ حادّة صبغت الحملات الانتخابية وشعارات المتنافسين الذين يمكن حصرهم في فريقين أساسيين، أحدهما مدعومٌ من المحور الإيراني السوري، يرفع شعار "حماية المقاومة"، وبنى تحالفاته على هذا الأساس، والآخر مدعومٌ من الغرب وبعض الدول العربية يرفع شعارات "التغيير" ومنع "الدويلة" من ابتلاع الدولة.
إزاء هذا المشهد السياسي المعقّد والمتحفّز إلى حدث "الأحد الكبير"، يعتقد كثيرون أن لبنان ما بعد الانتخابات لن يكون كما قبله، وما تدفع إلى هذا القول رهاناتٌ داخليةٌ وخارجيةٌ متناقضةٌ على الانتخابات البرلمانية، وآثارها ليس على المشهد السياسي الداخلي اللبناني فحسب، من ناحية النتائج والتحالفات والأغلبية البرلمانية أو حتى الميثاقية، وإنّما أيضا على الخارج اللبناني، في ظل عودة الاهتمام الدولي بلبنان، وتحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020.
تبقى الخشية دخول لبنان في بازار سياسي مفتوح على تشنّجات عديدة في إطار المعركة الانتخابية
فريق السلطة الحالي المهيمن على الأكثرية النيابية، والمدعوم إيرانياً وسورياً، والذي يخوض الانتخابات باعتبارها "معركة وجود وكسر عظم" في وجه مطالب التغيير، يراهن على الحفاظ على الأغلبية النيابية التي تحصّل عليها في انتخابات 2018، وزيادتها للحصول على ثلثي عدد أعضاء البرلمان، ليتمكّن من فرض خياراته السياسية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والحكم بأريحيةٍ بعد القبض على كل مفاصل السلطة. في حين يراهن الفريق الثاني، المعارض للفريق الأول، على التغيير لاستعادة الدولة اللبنانية قدرتها على اتخاذ قراراتها السياسية والأمنية، ورسم سياستها الخارجية بعيداً عن تدخّل إيران وتحكّم حزب الله، ويطمح للحصول على أكبر عدد من المقاعد وتقليص الأغلبية النيابية للفريق الأول.
في إطار الرهانين، تتعدّد القراءات لاستشراف المراحل اللاحقة، بعدما قدّمت تجربة اقتراع المغتربين اللبنانيين يومي الجمعة والأحد الفائتين صورة عن مشهديّة أكبر لن تخلو نتائجها من المفاجآت، حسب بعض التوقعات، خصوصاً أنّ تجربة اقتراع المغتربين في الخارج اكتسبت دلالات بارزة، في ظل الإقبال الكبير على المشاركة مقارنةً بدورة عام 2018، وكذلك في ظل رهانات المغتربين على التغيير ومشاركتهم في الانتخابات بأعدادٍ كبيرةٍ تأكيداً على هذا الاتجاه.
ترى إحدى هذه القراءات أن معركة الانتخابات الأحد المقبل ستكون قاسية، على الرغم من تعدّد اللوائح المتنافسة، وتبقى الخشية دخول لبنان في بازار سياسي مفتوح على تشنّجات عديدة في إطار المعركة الانتخابية، خصوصاً أنه ستترتب على نتائج هذه الانتخابات البرلمانية نتائج الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الحالي. في حين ترى قراءة أخرى أن فشل جهود اللبنانيين لاستعادة دولتهم، وبقاء الوضع على ما هو عليه على صعيد الغالبية البرلمانية التي يقودها "الثنائي الشيعي" والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما، قد يؤدّي بلبنان إلى سيناريوهاتٍ خطيرة، ربما أخطرها ارتفاع نبرة الحديث عن الدولة الفيدرالية على أساس طائفي، وإغلاق آخر صفحةٍ في محاولات اللبنانيين لإنجاح مشروع العيش المشترك تحت سقف اتفاق الطائف".
لبنان يوم "الأحد الكبير" أمام فرصة كبيرة لإعادته إلى سكّة الإصلاح والازدهار من خلال الاستحقاق الانتخابي
عملياً، ستؤدي انتخابات "الأحد الكبير" إلى أحد الاحتمالين: إمّا أن تعيد إنتاج الجزء الأكبر من المنظومة السياسية الحالية المرفوضة من شريحةٍ واسعةٍ من اللبنانيين، وإعادة منحها شرعية دستورية بناءً على نتائج الانتخابات. وبالتالي، سينطبق على الشعب اللبناني الراغب في التغيير المثل "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"، ويكون على اللبنانيين الصبر سنواتٍ أخرى تحت سيطرة حزب الله. أو أن تقود إلى إيصال قوى تغييرية مناوئة للطبقة السياسية التقليدية، وقادرة على إحداث تغيير جذري في أوساطها من خلال خطابها الجديد ومشروعها المختلف، الهادف إلى القيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية ومالية بآليات جديدة بعيداً عن المحاصصات. وسيكون العامل الحاسم في ذلك مدى إقبال الناخبين على الإدلاء بأصواتهم الثمينة جداً في لحظةٍ لبنانيةٍ تاريخية، فلبنان يوم "الأحد الكبير" أمام فرصة كبيرة لإعادته إلى سكّة الإصلاح والازدهار من خلال الاستحقاق الانتخابي في انتخاباتٍ قد تكون محاولةً أخيرة لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية اللبنانية، واستعادة العلاقات اللبنانية - العربية، بعيداً عن سيطرة حزب الله وسطوته وسلاحه ومليشياته.