هل سنشهد رحيلاً مبكّراً للحكومة العراقية؟
على الرغم مما حظيت به حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني من دعم وأسباب كثيرة للنجاح، يبدو أنها بدأت تقترب من نهايتها وبسرعة أكثر من المتوقع، وهي التي تشكّلت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عقب مخاض عسير أعقب انتخابات 2021 التي فاز بها التيار الصدري، وحصل مرشّحوه على 73 مقعدا برلمانيا، قبل أن ينسحب تاركا الساحة لمنافسيه الشيعة الذين قرّروا منذ لحظة إعلان نتائج الانتخابات عدم السماح له بالمضي في تشكيل حكومة مع القوى السنية والكردية، حتى وصل الحال بهم إلى الاقتتال على أبواب المنطقة الخضراء، أغسطس/ آب من العام الماضي.
ومن أهم أسبابٍ النجاح التي توفّرت للسوداني وحكومته ولم يسبق أن توفّرت لمن سبقه غياب المنافس والمعارض الذي يمكن أن يعيق عمل الحكومة، ونعني التيار الصدري الذي انكفأ على نفسه، ولم تبدر منه أي معارضة حقيقية. ناهيك طبعا عن عدم توفر مفهوم المعارضة تحت قبّة البرلمان العراقي، لأنهم نتاج الأحزاب والمحاصصة التي يتم منها تشكيل الحكومة.
لم تعد هناك مليشيات تهدّد عمل الحكومة، كما كان في عهد سلفه مصطفى الكاظمي، فالمليشيات مكوّن رئيس وأساس في حكومة السوداني، وتنتمي في غالبيتها لقوى سياسية تشكّل الإطار التنسيقي الذي هو بمثابة تحالف لعدّة مكوّنات سياسية شيعية، يجمعها رابط الولاء المطلق لإيران.
الدعم الدولي الكبير الذي حظيت به حكومة السوداني، خصوصا من الولايات المتحدة التي أصبحت سفيرتها في بغداد صديقة مفضّلة للقوى المليشياوية المسلحة من خلال علاقتها المتميّزة التي تشكلت لاحقا مع القوى السياسية التي تنبثق منها تلك المليشيات، ولم نعد نسمع عن تهديدات أو صواريخ كاتيوشا تنطلق باتجاه السفارة الأميركية في بغداد، ولا حتى نحو القنصلية الأميركية في أربيل أو غيرها.
حكومة السوداني عاشت أيامها في بحبوحة أمنية لا مثيل لها في العراق منذ 2003
الوفرة المالية الكبيرة التي حصل عليها العراق جرّاء ارتفاع أسعار النفط وازدياد الطلب على الطاقة، الأمر الذي سمح لحكومة السوداني أن تفتح باب التوظيف في الدوائر والمؤسّسات العراقية بعد توقّف سنوات، صحيح أنه كان توظيفا لغرض التوظيف السياسي، وليس لحاجة العراق له، لكن هذا الأمر نفّس كثيرا من احتقان الشارع العراقي بسبب هذا الملفّ. ولا نغفل هنا الدعم الإيراني الكبير لحكومة السوداني، فطهران كانت تعتبرها الأقرب لها من بين الحكومات التي مرّت على عراق ما بعد 2003، وسعت إيران إلى تقديم كل الدعم لإنجاح مهمة حكومة السوداني. ولا بد من الإشارة إلى الدعم العربي والخليجي على وجه الخصوص، الذي تلقّته هذه الحكومة، سواء من خلال مشروع الربط الكهربائي الخليجي مع العراق أو من استعداد دول خليجية لتوفير الغاز للعراق لتشغيل محطّات الكهرباء أو حتى مشاركة دول الخليج بمشروع طريق التنمية الذي أعلنت عنه بغداد قبل نحو شهرين وغيرها. كما أن حكومة السوداني عاشت أيامها في بحبوحة أمنية لا مثيل لها في العراق منذ 2003 بعد انحسار خطر التنظيمات المسلّحة، وفي مقدمها تنظيم داعش، وما كانت تسبّبه من مشكلات أمنية جعلت العراق بيئة طاردة للاستثمار.
لم تحُل كل هذه الأسباب على ما يبدو دون وصول حكومة السوداني إلى طريق مسدود، من دون أن تمتلك القدرة على إيجاد حلول لبعض مشكلات العراق، خصوصا الخدمية منها، وفي مقدّمتها ملفّ الكهرباء الذي بقي غير قابل للحلّ، في ظل اعتماد العراق المستمرّ على الغاز الإيراني لتشغيل محطّاته الكهربائية، وما تقوم به إيران من مساومات في هذا الملفّ بغية الحصول على أموالها من العراق، والالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة عليها. كما أن الحكومة لم تستثمر بشكل جيد علاقتها مع إيران لدفعها إلى إطلاق مزيد من التدفّقات المائية من الأنهار القادمة من الأراضي الإيرانية، والتي تمنع طهران وصولها إلى العراق، متحدّية كل القوانين الدولية في ما يخص الدول المتشاطئة، وكذا الحال مع تركيا التي قلصت تدفّقات نهري دجلة والفرات، الأمر الذي جعل بلاد الرافدين على شفير هاوية الجفاف والعطش.
بذور التفكك والفشل في الحكومة العراقية كامنة فيها، فهي حكومة محاصصة
قد لا يتعلق بعض أسباب فشل حكومة السوداني بطبيعة الرجل أو فريقه الحكومي بقدر تعلّقها بطبيعة النظام السياسي في العراق الذي فصلته أميركا عقب الغزو على مقاس أحزاب وتيارات وقوى سياسية يدين أغلبها بالولاء لدول خارجية. هذه القوى المتحكّمة بالمشهد السياسي العراقي، ومعها ذاك النظام الهجين الذي دعمته الولايات المتحدة، السبب الأبرز في فشل حكومة السوداني.
بذور التفكك والفشل في هذه الحكومة كامنة فيها، فهي حكومة محاصصة، وليست حكومة كفاءات، وخاضعة لتدخّل القوى والأحزاب، وتسيّرها الدولة العميقة التي بدأت تسرّع من نهاية حكومة السوداني، لأنها رأت فيها حكومةً لا تلبّي تطلعاتها التي كانت تتمثل بمراجعة شاملة لكل وظائف الدولة الحسّاسة، وصولا إلى تطهيرها من كل شخص غير موالٍ للإطار التنسيقي ومن خلفه إيران، بالإضافة إلى عقود كبيرة كانت هذه الدولة العميقة تعمل على أن تحصل عليها من خلال حكومة السوداني التي كانت تحاول أن توازن بين ما يطلبه الإطار التنسيقي من طلبات وعقود والمصلحة العامة، الأمر الذي دفع تلك القوى المتحكّمة بالدولة العراقية إلى وضع العراقيل أمام الحكومة.
لن تنجح أي حكومة عراقية في تحقيق شيء، ولن يُكتب لها تقديم أي خدمة للعراقيين ما دامت آلية تشكيلها خاضعة للمحاصصة، وما دامت القوى المهيمنة على المشهد السياسي تملك السلاح والمال، ولا تقوى أي حكومةٍ على الوقوف بوجهها، حتى لو أكملت هذه الحكومة أو التي ستأتي بعدها مدّتها القانونية أربع سنوات، فإن ما ستقدّمه للعراقيين يبقى صفرا كبيرا وفشلا لن يقود إلا إلى ثورة شعبية، طال الزمان أم قصر.