هل ما زالت إسرائيل "مشروعاً مفتوحاً على الحرب"؟
يتكرّر السؤال أعلاه في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن المزاج العام لأغلبية محللي الشؤون الأمنية في وسائل الإعلام الإسرائيلية يميل إلى استبعاد نشوب حرب قريبة. ويعود سبب هذا التكرار إلى أن ممارسات عسكرية إسرائيلية فعلية كثيرة تؤكد أن هناك تصعيدًا مُفرطًا في الاستعداد للحرب. ولعلّ الجانب المكشوف للعيان من هذا الاستعداد كامن، أكثر من أي شيء آخر، في تواتر المناورات والتدريبات العسكرية في الفترة الحالية، وفي الدفع بمشروعات تطوير المنظومات المضادة للصواريخ وغيرها من الوسائل الدفاعية، فضلًا عن الوسائل القتالية.
كذلك، حملة الهجوم الإسرائيلية الحادّة على الانتقادات الدولية للحرب أخيرا على قطاع غزة، وهي انتقادات اتسمت بأنها خجولة، وقف في صلبها، من بين مسوّغات أخرى، ادّعاء مكرور فحواه أن الحرب لا تنفكّ بمثابة "وسيلة إسرائيل التي تكاد تكون الوحيدة كي تدافع عن بقائها"! وفي هذا الصدد، ما زلنا نذكر أن أكثر ما أبهظ معظم المحللين الإسرائيليين للشؤون الأمنية لدى صدور تقرير "لجنة غولدستون" الأممية، التي تقصّت وقائع الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في شتاء 2009، إعلانه الحرب على ما وُصف في حينه بأنه "حقّ إسرائيل في خوض الحروب". بل رُفعت توصياتٌ إلى الدوائر الرسمية بشأن كيفية التصدّي لتلك الحرب على هذا الـ"حقّ"، وتحثّ على عدم التفريط به مهما يكن. ولئن دلّ هذا الأمر على شيء فإنه دلّ ليس فقط على الاحتمالات الكبيرة لنشوب حربٍ أخرى، بل أيضًا على أن إسرائيل تجاهر بأنها ستظلّ متمسّكة بنمط الحرب على غزة، والذي يتضمّن بالأساس التعرّض إلى الأهداف المدنية.
ثمّة مسألة أخرى كان كاتب هذه السطور قد توقف عندها في أكثر من مناسبة، أنه في إطار ترويج الحرب باعتبارها وسيلة لا استغناء عنها من أجل البقاء، جرى الاستئناف على استنتاجات توصلت إليها لجنة التحقيق التي تقصّت وقائع الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والمعروفة باسم "لجنة فينوغراد"، سيما استنتاج أن إسرائيل يجب ألا تخرج إلى حرب إذا لم تضمن تحقيق انتصارٍ حاسم فيها. وقد اعتبر أحد المنظّرين العسكريين الإسرائيليين، غابي سيبوني، من "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أن هذا الاستنتاج ضارّ للغاية، مؤكّدًا أن حاجة إسرائيل للحروب، بصورة دورية، تعادل حاجتها الحفاظ على بقائها، أي أن بقاءها يظل مرهونًا بخوض حروب دورية. وقد استشهد، لتدعيم مقاربته، بمقولة صادرة عن أول رئيس حكومة إسرائيلية، ديفيد بن غوريون، في محاضرة ألقاها عام 1955، أمام كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، وفيها: "ثمّة فارق كبير بين وضع إسرائيل في الصراع (في منطقة الشرق الأوسط) ووضع العرب فيه، فالعرب هاجمونا (يقصد في 1948) ونحن انتصرنا عليهم، ولذا فإنهم يخطّطون لجولة أخرى. فلنفترض أنه في عام كذا أو كذا ستقع جولة حربية أخرى، وسوف ننتصر مرة ثانية، فهذا يعني أنهم سيخطّطون لجولة ثالثة. لا تتوفر لدينا إمكانية لحل الصراع بصورة نهائية في ما بيننا، ما دام العرب لا يرغبون في هذا الحل. وليست لدينا إمكانية لوقف هذا الصراع، ولكن لديهم إمكانية لفعل ذلك".
ما قاله بن غوريون في ذلك الوقت لوّح للقاصي والداني بأن إسرائيل مشروع مفتوح على الحروب حتى إشعار آخر، وهذا وضعٌ غير مرتبط بها قطّ، ولا تتحمّل مسؤوليته، ويمكن أن يبلغ منتهاه فقط في حال إقدام العرب على إنهاء الصراع، لكنهم غير راغبين في ذلك. وفي ضوء ذلك، استخدام الحرب من أجل فرض إملاءات سياسية مبدأ ثابت لا يتغيّر في السياسة الإسرائيلية. وفي واقع الأمر، هذا بالضبط هو جوهر مبدأ "الجدار الحديدي" الذي صاغه زئيف جابوتنسكي، ولكن معروف أن بن غوريون هو الذي طبقه على نحو عملي.