12 مارس 2022
هل نقول وداعاً للديمقراطية؟
يوضح تأمل أوضاع بلدان الربيع العربي، اليوم، بما لا يدع مجالا للشك أننا على سكة ليست لديها علاقة بالسكة التي أرادتها حناجر المتظاهرين عام 2011، أي الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني والعقد الاجتماعي الجديد.
في تونس، انتهى الأمر إلى سيطرة الثورة المضادة عبر تعاون جزء كبير من أركان النظام القديم مع حركة النهضة، التي تبقى، على الرغم من كل تقدمها على ما عداها من الإسلام السياسي عربيا، جزءا من الإسلام السياسي الذي لم يزل في طور الامتحان عربيا وإقليميا، الأمر الذي جعل الربيع التونسي يتوقف عند الشق السياسي، من دون أن يتمكّن من العبور إلى الاقتصادي الاجتماعي. لذا كانت الاحتجاجات التي لم تتوقف، لتضع السلطة في موقع رد الفعل والدفاع عن النفس، ما دفعها إلى الهروب إلى الأمام، تارة عبر طرح مسألة محاربة الفساد، وتارة عبر مسائل الإرث وزواج المسلمة.. وغيرها من المسائل التي يرى قسم كبير من التونسيين أنها تعبّر عن يأس السلطة، ومحاولتها كسب التعاطف الشعبي، أو أخذ الرأي العام نحو مكان بعيد عن الفشل الاقتصادي الاجتماعي.
في مصر، ها هو عبد الفتاح السيسي يستعد اليوم، ليس لإعادة إنتاج النظام فحسب، بل لإعادة كل قبح الاستبداد، وبشكل فاجر وعلني، عبر البلطجة والتحدي وكسر العظم، فاعتقال النشطاء السلميين ومنع التظاهرات وتهمة الإرهاب التي تطاول كل معارض.. والتمديد أخيرا بكل ما يترافق ذلك مع عدّة تمجيد وتأليه السيسي. كل هذا يضعنا أمام سلطة لا تسعى إلى حكم مجتمعها، بل تسعى إلى تربيته، لأنّه فكر يوما بالثورة والحرية.
في المغرب الذي كان يعوّل عليه لإحداث تجربة مختلفة للانتقال السياسي عن طريق الإصلاح من الداخل، يعود اليأس مجدّدا ليغلق الدائرة، وليدخل المغرب أفق الخريف العربي الذي يراد له أن يكون فصلا دائما للعرب.
اليمن وسورية وليبيا لم تعد على خريطة الربيع أساسا، فحجم الدمار والخراب الذي حلّ بهذه البلدان سيجعلها تغيب عن خارطة التغيير الديمقراطي زمنا طويلا، لتنضم بذلك إلى العراق ولبنان، اللذين سبق أن دخلا التجربة المرّة، كل على طريقته، حيث بات الأمان الشخصي وتأمين لقمة العيش ورد شبح الجوع أقصى أمنيات مواطني هذه البلدان، أو قل رعاياها بانتظار أن يصبحوا مواطنين في يوم ما!
لم يكن هذا التراجع ليتم لولا أنّ هناك توحّداً إقليميّاً ودوليّاً باتجاه إعادة إنتاج الأنظمة الاستبدادية مجدّدا عبر تعويم الثورات المضادة، وتقديمها باعتبارها نتاج الثورة "الحقيقية" (مصر وتونس). فما يجري ليس وليد المصادفة، أو لأن الربيع فشل، بل لأن القوى المضادة للتغيير،عربيا وإقليميا ودوليا، وحّدت كل جهودها لتخريب هذا الربيع ومحاصرته، إذ ثمّة تنسيق عالي المستوى هنا، لوأد هذا الربيع وحصاره، وإدخاله دوامة الحروب الأهلية المتنقلة، عبر توفير المال لدعم التطرف والجهاديين (شيعة وسنة) للانتقال من بلد إلى آخر. هنا تصبح السعودية وإيران، مثلا لا حصرا، في حلف واحد، على الرغم من التضاد الذي يحكم علاقتهما، إذ هما تتوحدان حول محاربة الربيع، ومنع ولادة الديمقراطية التي تشكل خطرا على سلطة البلدين إن ولدت يوما ما. ولعل التأمل في مسألة حجم الأموال التي صرفتها هاتان الدولتان على السلاح والحرب، فيما تحتاج تونس الدعم المالي والاقتصادي لتحقيق شيء يذكر في المجال الاقتصادي لإنجاح ربيعها، من دون أن تجد من يدعمها. هنا يصبح منع هذا الدعم مقصودا، لأن المطلوب بالضبط هو وأد هذا النموذج، ومنعه من إكمال طريقه. وهذا يحصل بتواطؤ الدول الكبرى التي باتت أولويتها تتركز على محاربة الإرهاب ومنع اللاجئين من التدفق، أي "عدو تعرفه أحسن من عدو تجهله" ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم!
في مصر، ها هو عبد الفتاح السيسي يستعد اليوم، ليس لإعادة إنتاج النظام فحسب، بل لإعادة كل قبح الاستبداد، وبشكل فاجر وعلني، عبر البلطجة والتحدي وكسر العظم، فاعتقال النشطاء السلميين ومنع التظاهرات وتهمة الإرهاب التي تطاول كل معارض.. والتمديد أخيرا بكل ما يترافق ذلك مع عدّة تمجيد وتأليه السيسي. كل هذا يضعنا أمام سلطة لا تسعى إلى حكم مجتمعها، بل تسعى إلى تربيته، لأنّه فكر يوما بالثورة والحرية.
في المغرب الذي كان يعوّل عليه لإحداث تجربة مختلفة للانتقال السياسي عن طريق الإصلاح من الداخل، يعود اليأس مجدّدا ليغلق الدائرة، وليدخل المغرب أفق الخريف العربي الذي يراد له أن يكون فصلا دائما للعرب.
اليمن وسورية وليبيا لم تعد على خريطة الربيع أساسا، فحجم الدمار والخراب الذي حلّ بهذه البلدان سيجعلها تغيب عن خارطة التغيير الديمقراطي زمنا طويلا، لتنضم بذلك إلى العراق ولبنان، اللذين سبق أن دخلا التجربة المرّة، كل على طريقته، حيث بات الأمان الشخصي وتأمين لقمة العيش ورد شبح الجوع أقصى أمنيات مواطني هذه البلدان، أو قل رعاياها بانتظار أن يصبحوا مواطنين في يوم ما!
لم يكن هذا التراجع ليتم لولا أنّ هناك توحّداً إقليميّاً ودوليّاً باتجاه إعادة إنتاج الأنظمة الاستبدادية مجدّدا عبر تعويم الثورات المضادة، وتقديمها باعتبارها نتاج الثورة "الحقيقية" (مصر وتونس). فما يجري ليس وليد المصادفة، أو لأن الربيع فشل، بل لأن القوى المضادة للتغيير،عربيا وإقليميا ودوليا، وحّدت كل جهودها لتخريب هذا الربيع ومحاصرته، إذ ثمّة تنسيق عالي المستوى هنا، لوأد هذا الربيع وحصاره، وإدخاله دوامة الحروب الأهلية المتنقلة، عبر توفير المال لدعم التطرف والجهاديين (شيعة وسنة) للانتقال من بلد إلى آخر. هنا تصبح السعودية وإيران، مثلا لا حصرا، في حلف واحد، على الرغم من التضاد الذي يحكم علاقتهما، إذ هما تتوحدان حول محاربة الربيع، ومنع ولادة الديمقراطية التي تشكل خطرا على سلطة البلدين إن ولدت يوما ما. ولعل التأمل في مسألة حجم الأموال التي صرفتها هاتان الدولتان على السلاح والحرب، فيما تحتاج تونس الدعم المالي والاقتصادي لتحقيق شيء يذكر في المجال الاقتصادي لإنجاح ربيعها، من دون أن تجد من يدعمها. هنا يصبح منع هذا الدعم مقصودا، لأن المطلوب بالضبط هو وأد هذا النموذج، ومنعه من إكمال طريقه. وهذا يحصل بتواطؤ الدول الكبرى التي باتت أولويتها تتركز على محاربة الإرهاب ومنع اللاجئين من التدفق، أي "عدو تعرفه أحسن من عدو تجهله" ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم!